وتحدث تقرير معهد الدراسات الأمنية الإفريقية، عن أن التنظيم يعتمد على شبكة معقدة من الاتصالات والطرق التي تمتد عبر غرب وشمال إفريقيا، بين دول ليبيا والجزائر ومالي والنيجر ونيجيريا، لتسهيل تحركات مقاتليه.

وضمن حركة التنقلات، ضبطت السلطات في تشاد مجموعة من الشباب أثناء تسللهم إلى جنوب ليبيا للانضمام إلى المعارضة التشادية التي تضم فصائل إرهابية، وتتمركز ببعض مناطق الجنوب الليبي استغلالا لحالة الانفلات التي يعززها تنظيم الإخوان في ليبيا لمواجهة الجيش.

تحركات مقلقة

هذه التحركات لتنظيم داعش وبقية الجماعات الإرهابية بين جنوب ليبيا ودول الجوار، وصولا إلى نيجيريا، مدفوعة بالتنافس الساخن بين إيطاليا وتركيا وفرنسا حول مساحات النفوذ في ليبيا وشمال إفريقيا ومنطقة الساحل الإفريقي، وتبدو فيها إيطاليا وتركيا تنازعان فرنسا نفوذها التقليدي في إقليم فزان بجنوب ليبيا، مما دفع مراقبين إلى الحديث عن توافق إيطالي تركي حول دعم الميليشيات هناك، أو على الأقل غض الطرف عنها.

والتنافس بين إيطاليا وتركيا من جانب وفرنسا من جانب آخر ليس مستغربا، بحسب مراقبين، كون إيطاليا هي المحتل القديم لليبيا وتواجهها في الحدود البحرية، وتركيا لها نفوذ كبير حاليا هناك، والبلدان يطمعان في أخذ أكبر نصيب من الثروات الليبية، ويعتبرانها بوابة سهلة للسيطرة على البحر المتوسط من ناحية، وللتوغل داخل إفريقيا من ناحية أخرى.

وفرنسا، إضافة لمصالحها أيضا في البحر المتوسط، تهتم بجنوب ليبيا لاشتراكه في الحدود مع دول في الساحل الغربي لإفريقيا، حيث تتمركز قوات فرنسية تحت اسم قوة “برخان”.

توافق إيطالي تركي ضد فرنسا

ووفقا لدراسة صدرت حديثا لمركز دراسات الوحدة العربية بعنوان “محددات وقضايا التنافس الفرنسي الإيطالي في ليبيا”، فإن العلاقات الفرنسية الإيطالية شهدت تنافسا سياسيا ملحوظا حول ليبيا بعد إطاحة نظام العقيد معمر القذافي سنة 2011، وظهر تضارب مصالحهما مما انعكس على صراع المبادرات الذي تم بين باريس وروما حول الحل الأنسب لأزمة ليبيا.

وأوضحت الدراسة أن الخلاف الأمني هو الأبرز بين البلدين، فتقوم الرؤية الفرنسية على أولوية أمن منطقة الساحل ومنع نقل الأسلحة عبر الحدود الليبية إلى الجماعات التي تستهدف المصالح الفرنسية في إفريقيا، فيما تتركز الرؤية الإيطالية الأمنية على منع تدفق عبور المهاجرين عبر البحر المتوسط إلى السواحل الإيطالية.

وكذلك هناك صراع نفوذ بين فرنسا وتركيا، دفع الأخيرة إلى التوافق مع إيطاليا في ملفات كجزء من التعاون لإزاحة النفوذ الفرنسي من جنوب ليبيا.

ويشرح المحلل السياسي الليبي محمد الترهوني هذه النقطة، قائلا إن “التوافق بين تركيا وإيطاليا وصل إلى مستوى دعم الميليشيات الإرهابية في طرابلس، واستهداف المصالح الفرنسية في منطقة الساحل والصحراء التي تضم تشاد والنيجر ومالي ووسط إفريقيا، وغيرها من مناطق نفوذ باريس في القارة”.

وفي أكتوبر الماضي، قال رئيس الوزراء الإيطالي السابق جوزيبي كونتي في تصريح نقلته مجلة “ليمس” الإيطالية، إن “لتركيا دورا محوريا واستراتيجيا في ليبيا”، وإن لبلاده مصالح في ليبيا في الحاضر كما كان الحال في الماضي، كما أن “هناك حاجة إلى النقاش وإقامة الحوار مع تركيا ووضع أجندة إيجابية معها”.

موجة انتقال الإرهابيين

وتحدث معهد الدراسات الأمنية الإفريقية عن إعادة انتشار لتنظيم داعش بإنشاء 4 ولايات لخلافة أفريقيا في منطقة بحيرة تشاد، تحت قيادة مركزية في ولاية بورنو شمال شرقي نيجيريا.

والولايات هي “سامبيسا” في نيجيريا، و”تومبوما بابا” في بورنو بالدولة ذاتها، و”تمبكتو” في شمال مالي، وولاية مستحدثة في تشاد توقع أن تضم إرهابيين عربا، على أن يكون لكل منها حاكم خاص، وتحت قيادة زعيم داعش أبو إبراهيم الهاشمي القرشي.

ويتنقل الإرهابيون بينها وبين ليبيا كجزء من عملية الدمج بين مقاتلي “بوكو حرام” السابقين الذين غادروا إلى ليبيا لأسباب مختلفة، ومنهم من يتجه إلى حوض بحيرة تشاد للانضمام إلى التنظيم المتطرف، بحسب التقرير الذي لفت أيضا إلى وصول نحو 80 إرهابيا من ليبيا على دفعتين إلى نيجيريا.

وتوقع التقرير وصول دفعات جديدة من الإرهابيين إلى نيجيريا، تقدر بنحو 120 مسلحا، من بينهم أصحاب جنسيات عربية، سيتمركزون بشكل دائم في منطقة الساحل والصحراء، وهو ما يشكل قلقا كبيرا لفرنسا.

والخميس الماضي، طالب وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في كلمته أمام جلسة مجلس الأمن الدولي المخصصة لليبيا، بتنسيق مكافحة الإرهاب ومنع انتقال المقاتلين الأجانب من ليبيا إلى دول الساحل، مشددا على الإسراع بإخراج المقاتلين الأجانب والمرتزقة من ليبيا وفقا لجدول زمني واضح.

قلق فرنسي

ويقول مايكل شوركين الباحث في “مركز راند” البحثي الأميركي لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن تصريحات لودريان تعكس قلق فرنسا بشأن انتقال وانتشار الإرهابيين من ليبيا إلى منطقة الساحل والصحراء.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أعلن خلال قمة افتراضية حول دول الساحل الإفريقية، 9 يوليو الجاري، إغلاق فرنسا قواعدها في شمال مالي “خلال أسابيع”، على أن يستكمل ذلك بحلول مطلع عام 2022 في منطقة الساحل الإفريقي، مؤكدا في الوقت ذاته على التزام بلاده بأمن دول الساحل الإفريقي ومكافحة الإرهاب.

الجيش الليبي يتحرك

وتعليقا على ذلك، أكد المحلل العسكري والسياسي الليبي محمد الترهوني أن تصريحات وزير خارجية فرنسا تؤكد على أهمية العملية العسكرية التي قادها الجيش الليبي الشهر الماضي، وشملت تدمير العديد من البؤر الإرهابية جنوبي البلاد.

ووصف العملية التي نفذتها قوات النخبة من مجموعة “اللواء طارق بن زيارد المعزز”، بأنها “ناجحة بامتياز”، حيت تم القبض على 3 من أخطر القيادات الإرهابية الناشطة في الجنوب.

وأضاف الترهوني لموقع “سكاي نيوز عربية” أن “العملية العسكرية عززت الأمن في الجنوب الليبي، وهو ما يساعد على منع تحول الحدود في الجنوب والجنوب الغربي إلى نقاط عبور للإرهابيين والمرتزقة”.

وتابع المحلل العسكري الليبي أن “إعلان الجيش الليبي أن رمال زلاف بالجنوب منطقة عسكرية، يهدف أيضا إلى قطع الإمدادات عن الخلايا الإرهابية في هذه المنطقة الاستراتيجية”، لافتا إلى أن العديد من دول الجوار، مثل الجزائر وتشاد والنيجر، كانت قلقة من الحالة الأمنية في الجنوب.

وفي 11 يوليو الجاري، طالب قادة مجموعة دول الساحل المدعومة من فرنسا السلطات الليبية، بخطة إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة المقدر عددهم بنحو 30 ألفا، مؤكدين أن مطلبهم يعد أولوية لأمن المنطقة.

والجنوب الليبي منطقة اقتصادية واعدة لدرجة تثير لعاب الشركات الأجنبية، وتبلغ مساحته 550 ألف متر مربع، وتضم معظم حقول النفط في البلاد، حيث تنتج فزان قرابة نصف مليون برميل يوميا، كما يزود النهر الصناعي الذي ينبع من الجنوب المدن الليبية بقرابة نصف مليون برميل ماء يوميا.

skynewsarabia.com