وعلق الكرملين من جانبه، بالقول إن الأمر يرجع لسكان منطقة خيرسون في تحديد ما إذا كانوا يريدون الانضمام لروسيا أم لا، وهو ما يعتبره معلقون بمثابة موافقة روسية أولية على ذلك. 

ونقلت وكالة “ريا نوفوستي” للأنباء عن ستريموسوف، قوله إن “خيرسون هي روسيا“، مشيرا إلى أنه “لن تكون هناك (جمهورية خيرسون الشعبية) على أراضي إقليم خيرسون، ولن تجرى استفتاءات. بل سيكون القرار بناء على نداء القيادة الإقليمية في خيرسون إلى الرئيس الروسي، وسيكون هناك طلب لإدراج الإقليم ضمن منطقة مناسبة من الاتحاد الروسي”. 

ويقول مراقبون إن السيطرة على مدينة خيرسون، في جنوب أوكرانيا وجزء كبير من المنطقة المحيطة بها في وقت مبكر من الحرب، كان أهم مكسب لروسيا في الحرب. 

معتبرين أن موسكو تبدو عاقدة العزم على المضي في خيار ضم مناطق واسعة من الجنوب والشرق الأوكرانيين كخيرسون، وهو ما سيقود غالبا وفقهم نحو تقسيمات أمر واقع لأوكرانيا، وحتى للضم الكامل والنهائي لأجزاء منها لروسيا الاتحادية، خاصة وأن تلك المناطق تضم نسبة لا يستهان بها من الروس الأوكرانيين أو الناطقين بالروسية، والذين تربطهم صلات قربى مع الروس. 

وبغض النظر عن تصادم الروايتين الروسية والأوكرانية حول العائدية التاريخية لمثل هذه المناطق التي تشكل خط التماس وبؤرة التوتر الأساسية بين موسكو وكييف في الحرب المستعرة منذ نحو 3 أشهر، يرى متابعون للمشهد، أن تعليق الكرملين حول احتمال ضم خيرسون، هو علامة واضحة على أن الحضن الروسي مفتوح لخيرسون كما لدونباس وقبلهما شبه جزيرة القرم. 

ما أهمية خيرسون؟

 تقع خيرسون في جنوب أوكرانيا، وتعتبر ميناءا مهما ورئيسيا على البحر الأسود وعلى نهر دنيبرو، ويبلغ عدد سكانها نحو 300 ألف نسمة، وهي عاصمة مقاطعة خيرسون المتاخمة لشبه جزيرة القرم، التي سيطرت عليها روسيا عام 2014، وتكمن أهميتها في كونها تقع على مصب نهر دنيبرو، وتطل على بحر آزوف من الجنوب الشرقي، والبحر الأسود من الجنوب الغربي، علاوة على أنها تشكل بذلك حلقة وصل بين شبه جزيرة القرم وإقليم دونباس شرقي أوكرانيا. 

وتمتلك خيرسون أكبر ميناء في أوكرانيا لبناء السفن في البحر الأسود، وهي مركز رئيسي للشحن، وقد نمت المدينة بشكل مطرد خلال القرن التاسع عشر، بسبب الشحن وبناء السفن، وظلت مركزا رئيسيا لبناء السفن طوال القرن العشرين. 

وللحديث عن احتمالات ضم خيرسون لروسيا، وانعكاسات مثل هذه الخطوة على مجريات الحرب، يقول الأكاديمي والخبير في الشؤون الأوكرانية خليل عزيمة لـ”سكاي نيوز عربية”: “يبدو أننا أمام مرحلة جديدة من التوسع والضم الروسيين في أوكرانيا، كما حدث في شبه جزيرة القرم سابقا في العام 2014، ومن ثم مع جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك تمهيدا لضمهما لروسيا، وكعادتها تعين موسكو في مثل هذه المناطق مع السيطرة عليها ادارة موالية لها، وهذا التصريح يندرج بداهة ضمن المخطط الروسي لقضم أراضي من أوكرانيا وفي مقدمها خيرسون ذات الأهمية الاستراتيجية”.

ويضيف عزيمة: “ستقول موسكو بعد طلب الادارة المحلية لخيرسون الانضمام لروسيا، أن الشعب في خيرسون يريد ذلك وهي ستحاول عبر ذلك التمهيد لبسط سيطرتها على الساحل الأوكراني من دونيتسك إلى لوغانسك مرورا بخيرسون وصولا للقرم، وضمها جميعها لروسيا، وبما يضمن ممرا بريا من العمق الروسي نحو مختلف تلك المناطق من دونباس وصولا لماريوبول، وبما يضمن فصل أوكرانيا تماما وعزلها عن بحر آزوف وعن حوض البحر الأسود ككل، ولتضع موسكو بذلك يدها على كامل المنافذ والموانىء البحرية الأوكرانية، وتتحكم تاليا في حركة الملاحة البحرية والتجارية هناك”. 

وهذا السيناريو كما يرى الخبير بالشؤون الأوكرانية: “سيتكرر في مناطق أوكرانية أخرى مثل أوديسا مثلا حيث مع بسط سيطرتها عليها سيتم ضمها كذلك لروسيا”. 

بدوره يقول مدير مركز الحوار الروسي العربي مسلم شعيتو في لقاء مع “سكاي نيوز عربية”: “خيرسون تاريخيا جزء لا يتجزأ من الجنوب الروسي ومن الامبراطورية الروسية، لكنها مع تشكيل الاتحاد السوفييتي ولأسباب واعتبارات عقائدية وسياسية خاصة بالزعيم السوفييتي فلاديمير لينين ضمت إداريا لتشكيل جمهورية أوكرانيا السوفييتية، التي تشكلت كمختلف الجمهوريات السوفييتية في آسيا الوسطى وجورجيا وأذربيجان وغيرها، والتي لم تكن تاريخيا تتمتع بصفة الدول المستقلة، لكن خيرسون رغم ذلك  كانت دوما مرتبطة بالوطن الأم الروسي، ومع بدء هذه العملية دخلت القوات الروسية لخيرسون ومحيطها دون أن تواجه مقاومة من سكانها، وبالتالي بعد مرور شهرين من السيطرة عليها من قبل الجيش الروسي، ترتفع أصوات قوية فيها تدعو للعودة للوطن الأم”. 

فخيرسون هي امتداد طبيعي لروسيا، يضيف شعيتو: “وهي من أهم المخارج نحو البحر الأسود الإمبراطورية الروسية تاريخيا، حيث تم بناء مرافق مرفأ ضخم فيها، كي تكون منصة رسو وانطلاق الباخرات والسفن التجارية والحربية، والتي شيدها آنذاك أمهر المهندسين الروس، علاوة على بناء القلاع والحصون المتبعة فيها لحماية الحدود الجنوبية لروسيا”.

ويسهب الخبير في الشؤون الروسية في شرح الواقع الديمغرافي للمنطقة: “يبلغ عدد سكان خيرسون نحو نصف مليون نسمة، ومع احتساب سكان الضواحي والمناطق التابعة لها فإنهم يبلغون نحو مليون نسمة، وهم في غالبيتهم من القومية الروسية ويتكلمون باللغة الروسية”. 

هذا وكان المسؤولون الأوكرانيون قد توقعوا أن تخطط روسيا لإجراء استفتاء في منطقة خيرسون لإعلان استقلالها، على غرار ما فعلت في إقليمي دونيتسك ولوغانسك عام 2014.

واعترفت موسكو بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك المعلنتين من جانب واحد، قبل يومين فقط من بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في 24 من فبراير الماضي.

skynewsarabia.com