وفي أحدث مواقفها في هذا الإطار، رفضت هنغاريا، الجمعة، طلبا أوكرانيا بتزويدها بالأسلحة ودعم العقوبات على قطاع الطاقة الروسي، رافضة السماح لشحنات الأسلحة بعبور حدودها إلى أوكرانيا.
وقال رئيس الوزراء الهنغاري، فيكتور أوربان، إن 85 بالمئة من الغاز وأكثر من 60 بالمئة من النفط في بلاده يأتي من روسيا، وأن منع صادرات الطاقة الروسية سيجبر الهنغاريين على “دفع ثمن الحرب”.
ويرى مراقبون أن هنغاريا بحكم كونها سابقا كانت ضمن الكتلة الأوروبية الشرقية الدائرة في فلك الاتحاد السوفييتي السابق، فإنها تملك شبكة واسعة من العلاقات والمصالح تاريخيا وراهنا مع الاتحاد الروسي.
وتعليقا على خلفيات وبواعث الموقف الهنغاري، وتأثيره على وحدة الصف الأوروبية ضد روسيا، يقول رامي القليوبي، الأستاذ في كلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، في حوار مع سكاي نيوز عربية :”هناك انقسام قديم في المنظومة الأوروبية بشأن العلاقات مع روسيا، حيث ثمة كتلة داعية للتعامل الايجابي معها وأخرى رافضة، وعلى رأس الرافضة بريطانيا والتي خرجت على أية حال من الاتحاد الأوروبي، ولكونها الأقل اعتمادا على مصادر الطاقة الروسية، وهناك دول معارضة لروسيا، كبولندا ودول البلطيق الثلاث، لاتفيا وإستونيا وليتوانيا، والتي لديها حساسية مفرطة حيال ارث الحقبة السوفييتية، وتعتقد أنها كانت تحت نير الاستعمار الروسي آنذاك، وهي تخشى دوما من عودة مشهد الدبابات الروسية لتسيطر عليها”.
أما الأطراف الداعمة للتعاون مع روسيا في أوروبا، فهي وفق الباحث الأكاديمي: “تضم فئتين أساسيتين أولهما، الدول ذات العلاقات الوطيدة اقتصاديا مع روسيا، كألمانيا وفرنسا وايطاليا، فمثلا بون وروما هما أكبر مستوردين للغاز الروسي وبعدهما تحل ثالثة فيينا، والفئة الأخرى تضم بصفة عامة التيارات الشعبوية الأوروبية اليمينية”.
ويضيف: “رئيس وزراء هنغاريا، أوربان، ينتمي إلى اليمين الشعبوي الأوروبي، وهو دائما يروج لتوسيع وتطوير العلاقات مع روسيا، ومثلا في انتخابات الرئاسة الفرنسية في العام 2017 قامت مرشحة اليمين مارين لوبان، بزيارة موسكو أثناء الحملة الانتخابية، وكذلك فعل أوربان والدافع هو لرفع أسهمها بين الناخبين اليمينين في بلادهما، ولا ننسى هنا أن أوربان يتمتع بعلاقة وطيدة مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن”.
ويسهب القليوبي في شرح خلفيات الموقف الهنغاري المتمايز أوروبيا من روسيا، بالقول: “ثمة اعتبارات لهذا الموقف تروجها أوكرانيا، مفادها أن هنغاريا تسعى للحصول على الغاز الروسي بأسعار زهيدة وتفضيلية من خلال موقفها من الأزمة الحالية، وثمة حتى حديث وهو ينطوي على مبالغة وتهويل، عن أن بودابست تطمح لبسط سيطرتها على منطقة زكرباتشيا، غربي أوكرانيا، والتي تضم الأقلية الهنغارية في البلاد، وهي حسب احصاء للسكان فيها بالعام 2001 فإن نسبة الهنغاريين فيها تبلغ 48 بالمئة، أي أنهم يشكلون غالبية في تلك المنطقة، وفي العام 2018 منحت الهنغارية وضع اللغة الإقليمية فيها، والآن تتملك كييف مخاوف من أن لدى بودابست أطماع فيها وأنها قد تستثمر الأوضاع الحالية في ظل الحرب للاستحواذ على تلك المنطقة وفرض وصايتها فيها”.
أما ماهر الحمداني، الباحث والخبير في الشؤون الأوروبية، فيقول في لقاء مع سكاي نيوز عربية: “يطلق على أوربان وحزبه في الأوساط الأوروبية عامة، حصان طروادة الروسي بمعنى أنه ينظر له كطابور خامس روسي في البيت الأوروبي، وهذا ليس جديدا حيث ثمة تاريخ طويل من الانتقادات الأوروبية لبودابست، ومحاولات محمومة لفصل هنغاريا عن روسيا وبالعكس من قبل مختلف الدول الأوروبية وحتى من قبل أوكرانيا”.
هنغاريا ترتبط مع روسيا بعلاقات وطيدة قديمة تعود للزمن السوفييتي، كما يشرح الحمداني، مضيفا: “لكن هذه العلاقات الآن ترتكز على قواعد ومصالح اقتصادية عريضة، سيما وأن بودابست أبرمت عقدا مهما مع شركة غازبروم الروسية منذ العام 2016 ويمتد حتى العام 2036، وبموجبه تحصل هنغاريا على امدادات الطاقة بشكل مستقر ومنتظم وبأسعار تفضيلية وتشجيعية مناسبة”.
علاوة على أن بوتن وأوربان، وفق الخبير في الشؤون الأوروبية: “يتشاركان بعض الأفكار والقناعات الخاصة بشكل ونمط المجتمع، وأبرزها كالتي ترفع الآن كشعار في الانتخابات الهنغارية المقبلة، وهي معاداة المثليين وانتقاد منظومة الاتحاد الأوروبي، والتوجهات اليمينية خاصة بخصوص مسألة الهجرة والأمن الاجتماعي وغير ذلك”.
ويردف الحمداني: “هنغاريا على أبواب انتخابات مصيرية ربما ستحدد توجه البلاد شرقا أم غربا، ووفق المؤشرات ومعظم استطلاعات الرأي فإن ثمة نسبة تأييد كبيرة لحد ما للرئيس الهنغاري الحالي، تظهر تفوقه على المعارضة، وربما السبب في ذلك قلق المواطن الهنغاري من انجرار بلاده نحو أتون حرب مدمرة على وقع ما يحدث في أوكرانيا، ودفع ثمن ما يجري هناك والخوف من أن تعاني هنغاريا من شح المواد والسلع الغذائية الأساسية، كما هي حال العديد من الدول الأوروبية حاليا، وخوفا من ارتفاع نسب التضخم والنقص في موارد الطاقة وغير ذلك من تداعيات سلبية للأزمة الأوكرانية”.
ولهذا كله يفضل الهنغاري السلامة والاستقرار له ولبلاده، حسب الحمداني، مردفا: “ورغم تعاطفه مع الأوكرانيين، وهذا ما نجح أوربان في تسويقه بين مواطنيه، خاصة وأن معارضيه يشيرون صراحة إلى أنهم حال فوزهم في الانتخابات سيدخلون مباشرة في جهود الكتلة الغربية لمحاربة روسيا ومحاصرتها، ولهذا تبدو هنغاريا مختلفة في مواقفها رسميا وشعبيا حيال روسيا، قياسا ببقية المواقف الأوروبية”.