أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 17 فبراير 2022، عن انسحاب قوات بلاده من قواعد مالي تدريجيا وبعدها تم ربط قوافل جوية وبرية بين قاعدة غاو والنيجر. ويضمن الإليزيه في المقابل أن تظل فرنسا ملتزمة بمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل إذ لا تزال القوات الفرنسية منتشرة في تشاد والنيجر اللذين وصفتهما وزارة القوات المسلحة الفرنسية بـ “الشركاء الأساسيين”.

وكانت “عملية برخان”، التي أعقبت “عملية سرفال“، التي انطلقت في عام 2013، قد أتاحت القتال لمدة 9 سنوات ضد الجماعات المتشددة في منطقة الساحل وتأمين مناطق عديدة من الأراضي المالية. لكن العلاقات مع مالي التي دعت فرنسا للمساعدة في عام 2013، تدهورت منذ وصول المجلس العسكري إلى السلطة، ونمت المشاعر المعادية لفرنسا بشكل مطرد في البلاد وخرج الماليون للتظاهر للمطالبة بتسريع رحيل القوة العسكرية الفرنسية.

ويرى السفير الفرنسي السابق في مالي والسنغال والكونغو والباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية بباريس ومؤلف كتاب Le Grand Livre de l’Afrique، نيكولا نورماند، في تصريحه لموقع “سكاي نيوز عربية” أن “هناك جانبا إيجابيا لعملية برخان لا يجب تناسيه”.

ويوضح، “كان يمكن استعمار مدن في شمال مالي من طرف المتشددين لكن بفضل عملية برخان تم تجنب ذلك. وتمت حماية جزء من المواطنين الماليين من أعمال العنف الدموية. والدليل على ذلك هو أنه بعد انطلاق عملية الانسحاب الفرنسية، ارتفع عدد الضحايا الماليين بنسبة 40 في المائة خلال الستة أشهر الأولى من السنة الجارية بالمقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية. كما أن الجيش المالي استطاع إعادة تشكيل نفسه وتقويه عتاده”.

 رحيل فرنسا فشل سياسي

في المقابل، يعتبر نيكولا نورماند أن إجبار فرنسا على الرحيل “يشكل خيبة أمل لها وفشلا سياسيا”.

ويرجع أسباب هذا الفشل إلى عدد من الأخطاء السياسية: “أولا، ما كان يجب أن تستمر عملية برخان لسنوات. ثانيا، كان التواصل سيئًا للغاية بخصوص تدخل الجيش الفرنسي، فقد كان يبلغ بشكل أحادي عن انتصاراته وفي كل مرة يعلن عن مقتل أحد القادة المتطرفين كان يقابل ذلك الصمت من طرف السلطات المالية، ما أثار الشكوك حول حقيقة ما يجري على أرض الواقع خصوصا عند الماليين المقيمين في الجنوب. علاوة على ذلك، كان ينبغي على السلطات المالية أن تقوم على الأقل بحملة اتصال وتواصل لشرح الدعم العسكري الفرنسي ودور الجنود الفرنسيين لأنه في غياب هذه الآلية، انتشرت الشائعات وزادت الشكوك حول فاعلية الجيش الفرنسي”.

ويضيف أنه “كان يجب توضيح مسألة أن الجيش الفرنسي لن يحل مشكلة الإرهاب لوحده، بل يجب توفر الجانب المدني والإداري الذي غاب في هذه المرحلة. فمثلا، المناطق التي تم تحريرها من يد الجهاديين بفضل الجيش الفرنسي كان على السلطات المالية أن تتولى إدارتها وهو ما لم يحدث ما سمح بعودة المتشددين إليها”.

 وأخيرا، يعتبر أن الظهور المفرط للجيش الفرنسي جعله يظهر كقوة استعمارية وبدل أن يمد يد العون للجيش المالي على مستوى العتاد والتقنيات وبناء الجيش دخل في مواجهة مباشرة مع المتشددين ما اعتبره المواطن المالي تهميشا للجيش المحلي.

من جانبه يشرح المحلل السياسي ومدير معهد الأمن والاستشراق الأوروبي، إيمانويل ديبوي، في اتصال مع موقع “سكاي نيوز عربية” أن فرنسا لم تفشل في مهمة محاربة الإرهاب في منطقة الساحل والدليل هو أنها ستواصل عملياتها العسكرية خارج مالي وستعيد تشكيل نفسها في دول أخرى شريكة إلى جانب ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا. هذا بالإضافة إلى أن باقي الدول الإفريقية لا تريد رحيل فرنسا، فالنيجر فتحت قواعدها للجيش الفرنسي وبوركينافاسو ترحب بدورها بالجيش الفرنسي”.

وبعد هذا الانسحاب، سينخفض الوجود العسكري في منطقة الساحل إلى النصف بحلول نهاية العام إلى 2500 جندي. وافقت النيجر على الاحتفاظ بقاعدة جوية في نيامي ودعم 250 جنديًا لعملياتها العسكرية على حدود مالي. وستواصل تشاد استضافة قاعدة عسكرية فرنسية في نجامينا، وتأمل فرنسا في الاحتفاظ بكتيبة من القوات الخاصة في واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو.

 فشل جماعي في منطقة الساحل

وفي شق آخر، يقول ديبوي “من المؤكد أن روسيا تستفيد من حالة الرفض التي تعم في الشارع المالي للتواجد الفرنسي، رغم أن فرنسا فقدت أكثر من 59 جنديا في الساحل، من بينهم 46 في مالي وتحملت تكلفة مالية مهمة تصل إلى حوالي مليار يورو سنويا لتغطية نفقات عملية برخان”.

ويضيف أنه على الرغم من كل هذا وبحسب تقرير للأمم المتحدة، قتل 6000 مدني بسبب عمليات إرهابية عام 2020 في كل من مالي والنيجر وبوركينافاسو وارتفع هذه الرقم إلى 8000 آلاف عام 2021 بينهم 2000 مدني لقوا حتفهم في مالي. وهذا ما يعكس فشلا جماعيا لكل الدول المشاركة في عملية مكافحة الإرهاب في المنطقة بما فيها روسيا.

 تغيير استراتيجية
وفي ختام حديثه، أكد السفير الفرنسي السابق أن “فرنسا ستبقى في منطقة الساحل، وستستفيد من الأخطاء التي ارتكبتها في مالي. إذ لن تواجه المتشددين بشكل مباشر ولن تظهر في الصورة بشكل كبير. وستبحث عن تقديم دعم غير مرئي للجيش الإفريقي الذي سيصبح في الصفوف الأولى فيما سيكون الجيش الفرنسي في الصفوف الثانية. وهذا ما كان يجب أن يقع منذ زمن بعيد”.

skynewsarabia.com