في الحرب الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة، أثار الارتفاع الكبير في عدد القتلى من المدنيين الفلسطينيين دعوات متكررة لوضع شروط على المساعدات الأميركية لإسرائيل، ومن هنا جاء تصريح السيناتور بيرني ساندرز، في أواخر نوفمبر، الذي قال فيه “على مدى سنوات عديدة، قدمت الولايات المتحدة الكثير من الأموال لإسرائيل دون أي قيود تقريبًا”.
وأردف ساندرز قائلا: “يجب أن ينتهي نهج الشيكات على بياض هذا”.
غير أن روس يقول في هذا الإطار الحقيقة هي أن المساعدات الأميركية لإسرائيل لم تكن قط شيكات على بياض. وأن الأميركيين استخدموا في كثير من الأحيان كوسيلة لتحقيق أهداف سياستها الخاصة “لتشجيع إسرائيل على المخاطرة من أجل السلام أو للمساعدة في ردع أعداء أميركا في الشرق الأوسط، لكن هذه الجهود لم تنجح دائمًا كما هو مخطط لها”.
وفي هذا المقال، ينظر روس إلى إسرائيل باعتبارها دولة ديمقراطية، وأن الرأي العام هو ما يشكل خياراتها السياسية، وبالتالي فإن كانت مطالب واشنطن من تل أبيب “غير معقولة”، فإن إسرائيل “سوف ترفضها، بصرف النظر عن التكاليف”.
ويقول إنه على الرغم من أن “الرؤساء الأميركيين، الذين يظهرون فهمهم للمأزق الذي تعيشه إسرائيل والتهديدات التي تواجهها، قادرون على كسب تأييد الإسرائيليين، الأمر الذي يجعل رفض المطالب الأميركية مكلفاً على المستوى السياسي بالنسبة لرئيس وزراء إسرائيلي”، فإن العكس صحيح أيضاً، “إذ يمكن لرئيس الوزراء الإسرائيلي أن يحقق مكاسب سياسية من خلال الوقوف في وجه رئيس أميركي يُنظر إليه على أنه لا يفهم المنطقة، والذي يبدو على استعداد للضغط على إسرائيل لحملها على تقديم تضحيات محفوفة بالمخاطر”.
وبحسب روس، فإن الولايات المتحدة لم تبدأ في تقديم المساعدة السنوية المضمونة لإسرائيل حتى عام 1979، عندما استخدم جيمي كارتر الوعد بالمساعدة لتشجيع مصر وإسرائيل على التوقيع على معاهدة سلام. وتم تحديد المبلغ بمبلغ 3 مليارات دولار سنويًا كمساعدات اقتصادية وعسكرية لإسرائيل.
وأشار الدبلوماسي الأميركي السابق إلى أن كل رئيس أميركي، من رونالد ريغان إلى جو بايدن، سعى إلى التعاون الاستراتيجي مع إسرائيل، منوها إلى أنه رغم أن التعاطف السياسي والتاريخي لعب دورًا رئيسيًا في الدعم الأميركي لإسرائيل، فإن العلاقة ليست مجرد خدمة لتل أبيب فحسب، بل إنها تخدم المصالح الجيوسياسية الأميركية.
ورسم روس مقاربة بين باراك أوباما وبايدن، مشيرا إلى إدارة أوباما، في عام 2016، تفاوضت على اتفاقية مساعدات جديدة مع إسرائيل بقيمة 38 مليار دولار على مدى 10 سنوات.
وأوضح أن أوباما “تناول باستمرار الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية حتى عندما انتقد علناً السياسات الإسرائيلية بشأن المستوطنات والفلسطينيين”، ومع ذلك لم يحظ بالقبول لدى الإسرائيليين الذين لم يشعروا أن إسرائيل يمكن أن تعتمد عليه، الأمر الذي استغله رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بظهوره أمام جلسة مشتركة للكونغرس في مارس 2016، قبل أسبوعين من الانتخابات في إسرائيل، لمعارضة نهج أوباما في المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي.
وبحسب دنيس روس، فإنه في ذلك الوقت، كان نتنياهو متأخرا في استطلاعات الرأي، لكن العديد من الإسرائيليين أحبوا رؤيته وهو يقف في وجه أوباما، وقد فاز بإعادة انتخابه.
ويضيف روس أنه “على النقيض من ذلك، فإن استجابة بايدن القوية لصدمة السابع من أكتوبر منحته قدرًا كبيرًا من الفضل لدى الجمهور الإسرائيلي”، خصوصا وأن بايدن أصبح أول رئيس أميركي يزور إسرائيل في زمن الحرب، ويعلن دعمه لهدف تل أبيب المتمثل في القضاء على حركة حماس وأنها لن تكون قادرة على حكم غزة، ورفض بالتالي كل دعوات وقف إطلاق النار في غزة.
وبينما يعتقد الدبلوماسي الأميركي أنه “لا يزال يتعين على إسرائيل أن تفعل المزيد للحد من الخسائر البشرية وتلبية الاحتياجات الإنسانية لسكان غزة“، فإنه يقول إن “التهديد بحجب المساعدات الأميركية في حال لم تفعل ذلك لن يؤدي إلا إلى جعل الإسرائيليين يواصلون ما يفعلونه بمفردهم”، باعتبار أنه ليس لديهم خيار آخر، كما قال له أحد المسؤولين الإسرائيليين.
ويعتقد روس أن “محاولة إرغامهم (الإسرائيليين) على قبول الدولة الفلسطينية من شأنه أن يأتي بنتائج عكسية”، وأنه بمرور الوقت، “سيكون الجمهور الإسرائيلي أكثر استعداداً للتفكير في الخيارات الحقيقية التي سيواجهها مع الفلسطينيين”.
ومع ذلك يعتقد روس أنه “لا ينبغي للولايات المتحدة أن تتسامح ــ ولا ينبغي لها أن تتردد في انتقاد ــ التصرفات الإسرائيلية التي تقوض إمكانية قيام دولة فلسطينية، مثل النشاط الاستيطاني العدواني الجديد في الضفة الغربية أو الهجمات التي يشنها المستوطنون المتطرفون على القرى الفلسطينية”.
وقال إنه “يجب على إدارة بايدن أن توضح أن الولايات المتحدة ترى أن حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو مصلحة أساسية، مهما بدا هذا الهدف مستحيلاً الآن”، لكنه يصر أيضا على أن الحاجة الماسة “لتحقيق التوازن الصحيح مع حليف لا يزال مهتزًا بشدة بسبب هجوم 7 أكتوبر”.
وفي نهاية المطاف، يؤكد روس على إن “جعل المساعدة لإسرائيل مشروطة بسياسات معينة لن يؤدي إلى بناء النفوذ الأميركي أو تعزيز المصالح الأميركية”، مشيرا إلى أن مكانة جو بايدن لدى الجمهور الإسرائيلي هي أقوى أصول الولايات المتحدة اليوم في تشكيل الأحداث في غزة، وسوف تجبر أي رئيس وزراء إسرائيلي على دفع ثمن مقاومة أولويات إدارته”.