ففي ألمانيا وهي من أكثر دول أوروبا تضررا من أزمة شح الطاقة، بدأت العاصمة برلين بإطفاء إنارة المعالم والمباني التاريخية، في إطار السعي لتوفير الطاقة وترشيد استهلاكها.

فيما قطعت السلطات في مدينة هانوفر الألمانية الماء الساخن عن المباني والمؤسسات العامة، مخفضة درجات الحرارة القصوى للتدفئة كجزء من حملتها لترشيد صرف الطاقة، وتضمنت الإجراءات التقشفية إغلاق النوافير العامة والأضواء الخارجية لمبنى البلدية ومتاحف المدينة والمباني العامة الأخرى فيها.

 ووفق وسائل الإعلام المحلية الألمانية، فإن مثل هذه القرارات ستطبقها تباعا مختلف الولايات والمدن الألمانية، في مسعى استباقي للحد من أزمة شح الطاقة الخانقة المتوقعة مع حلول هذا الشتاء.

أما في إسبانيا فقد وصل الأمر لحد تخلي رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، عن ربطة عنقه، طالبا من الوزراء والعاملين في المكاتب أن يحذو حذوه من أجل المساعدة في توفير الطاقة عن طريق تقليل درجات برودة مكيفات الهواء.

ويرى مراقبون أن هذه القرارات الترشيدية والتقشفية في استهلاك الطاقة، قد تبدو غير معقولة لوهلة في بلدان لطالما كانت تتمتع بالوفرة المالية والبحبوحة الاقتصادية، لكنها تشير إلى أن ثمة أزمة حقيقية تحاول القارة العجوز بشتى السبل معالجتها أو تخفيف حدة وطأتها وتبعاتها.

وتعليقا على ما يعصف بأوروبا من أزمة حادة في تأمين الطاقة والغاز خاصة، يقول الباحث والخبير في الشؤون الأوروبية ماهر الحمداني، والمقيم في العاصمة الالمانية برلين، في حديث مع سكاي نيوز عربية:” دول الاتحاد الأوروبي كما هو معلوم أقرت منذ أيام قليلة فقط خطة تقليص استهلاك الغاز، والتي ستستمر لنهاية السنة، لكنها لن تكون قادرة على احتواء أزمة شح الغاز ومشتقات الطاقة عامة، وهو نقص سيتفاقم مع دخول فصل الشتاء وانخفاض درجات الحرارة”.

 ويضيف :”معظم الدول الأوروبية باشرت بتطبيق هذه الخطة الترشيدية للاستهلاك، وبعضها لديها اعتراضات وتحفظات عليها، ففي ألمانيا بدأت العديد من الولايات بالدوائر الحكومية والمؤسسات والمرافق العامة باعتماد تقليص استهلاك الطاقة، وتوعية الناس بضرورة تقليل استهلاكهم عبر دعوتهم مثلا لتقليل مدة استخدام الحمام وحصرها من 3 إلى 5 دقائق وفق ما تنصح به السلطات، علاوة على أن ثمة ولايات منعت حتى استخدام الماء الساخن في المرافق والحمامات العامة توفيرا لطاقة تسخينها، ووصل الأمر لحد إطفاء الأنوار في المتاحف والمعالم التاريخية، في مشهد يعكس فداحة ما يحدث”.

 في المقابل فإن دولة كهنغاريا، يضيف الحمداني:” رفضت الالتزام بهذه الخطة ويبدو أن دولا أوروبية أخرى ستحذو حذوها مع قرب الشتاء وتراجع مخزونات الغاز لديها، خاصة وأن بودابست تحتفظ بعلاقات وطيدة مع موسكو وتحظى بمعاملة روسية مميزة في مجالات الطاقة والغاز، ولهذا فإنها عرقلت الإجماع الأوروبي حول هذه الخطة”.

 ويضيف الخبير بالشؤون الأوروبية :”لا يخفي المسؤولون الأوروبيون حقيقة حراجة الموقف وخطورته الذي يواجه القارة خلال هذا الشتاء، والذي سيكون صعبا وقاسيا جدا نتيجة نقص موارد الطاقة الحاد، وحتى لو تحمل المواطنون على مضض في بيوتهم تبعات ذلك، لكن حاجة المصانع والمعامل الملحة لمصادر الطاقة وخصوصا الغاز في ظل الأزمة الحالية ستتسبب بكارثة اقتصادية وخاصة في ألمانيا المعروفة بريادتها الصناعية كونها صاحبة الاقتصاد الأوروبي الأول، والذي كان قد بدأ بالتعافي للتو من تبعات جائحة كورونا المستجد على مدى العامين الماضيين”.

 وبالتالي، يردف الحمداني:” ثمة خشية واسعة هنا من أن ألمانيا غير قادرة على تلقي ضربة أخرى لاقتصادها على وقع الحرب الأوكرانية وأزمة شح الطاقة الناجمة عنها، حيث ترتفع نسب التضخم والبطالة، والمخاوف من ذلك تجتاح الشارع الألماني والأوروبي عامة، والجميع يتساءل بهلع وماذا بعد؟ في ظل استمرار خفض روسيا لإمداداتها الغازية لأوروبا وموسم البرد القارس بات قريبا”.

هذا وقال رئيس الحكومة الإسبانية، في كلمة له، ارتدى فيها حلة زرقاء وقميصا أبيض: “أنا لا أرتدي ربطة عنق وطلبت من وزرائي ألا يفعلوا ذلك”.

 وطلب رئيس الوزراء الإسباني من الشركات السماح للموظفين بالعمل بدون ملابس للرقبة حتى يتمكنوا أيضا من المساهمة في توفير الكهرباء.

ولم يوضح سانشيز، كيف أن التخلي عن ربطة العنق سيساعد في توفير الطاقة، لكن وزارة التحول البيئي، التي تشرف على سياسة الطاقة، تعمل بالفعل على تشغيل مكيفات الهواء عند درجة حرارة أعلى من المعتاد 27 درجة سيلزيوس كجزء من الحفاظ على الكهرباء وتقليل الاستهلاك.

ومن شأن ارتداء ملابس خفيفة وعدم ارتداء حلات رسمية وربطة عنق، أن يساعد في تقليل الشعور بدرجات الحرارة المرتفعة، وبالتالي يحد من الحاجة إلى تشغيل المكيفات ببرودة مرتفعة مما يتطلب استهلاك أعلى للكهرباء.

skynewsarabia.com