ومع تبقي أقل من 10 أيام على انتخابات الرئاسة المقرر إجراؤها في 25 من فبراير الجاري؛ والتي انحصر السباق فيها على 3 مرشحين لخلافة الرئيس الحالي المنتهية ولايته محمد بخاري؛ يعاني السكان من نقص حاد في السيولة النقدية؛ بسبب إجراءات اتخذها البنك المركزي لتغيير العملة الوطنية “النيرة” وسحب الفئات القديمة.

وأجج شح السيولة الغير مسبوق هذا اضطرابات واسعة شملت معظم أنحاء البلاد وتركزت بشكل أكبر في مدينة “ابادان” القريبة من العاصمة التجارية لاغوس والتي يقطنها أكثر من 9 ملايين نسمة؛ إضافة إلى مدينتي “بنين” و”اسابا” في جنوب غرب البلاد.

وتأتي أزمة السيولة هذه بالتزامن مع تأهب النيجيرون للإدلاء بأصواتهم؛ وسط مخاوف أمنية كبيرة في ظل تزايد اعمال الفوضى الواسعة الناجمة عن الغضب الشعبي من شح السبولة؛ إضافة إلى الهجمات الإرهابية بشكل لافت خلال الأسابيع الماضية.

ومن بين 18 مرشحا دخلوا السباق منذ بدايته؛ انحصر التنافس على بيتر أوبي من حزب العمال وبولا تينوبو من حزب المؤتمر التقدمي الحاكم وأتيكو أبوبكر عن حزب الشعب الديمقراطي.

ويشارك في التصويت في هذه الانتخابات نحو 80 مليون ناخب من مجمل تعداد السكان البالغ نحو 180 مليون نسمة 40 بالمئة منهم من الشباب دون ثلاثين عاما.

 3 سيناريوهات

في حين يدافع البنك المركزي النيجيري بقوة عن قرار تغيير العملة والإجراءات التي صاحبته؛ رأت الدوائر السياسية في نيجيريا أن تزامن قرار تغيير العملة مع إجراء الانتخابات لا يخرج من أحد ثلاثة سيناريوهات وهي:

  • حماية مصالح جماعات النفوذ المالي والسياسي عبر خلق الفوضى بما يؤدي إلى انهيار النظام الديمقراطي في البلاد بأكمله.
  • محاولة تحجيم السيولة لمنع التلاعب بالأصوات.
  • توقيت تغيير العملة مع الانتخابات هو محاولة لافتعال شح السبولة وتكديسها لدى حزب بعينه لتمكينه من شراء الأصوات دون غيره من المنافسين.

خلق الفوضى

يتمثل السيناريو الأول في دعم مخطط نسف العملية الانتخابية من خلال إثارة الفوضى؛ وهذا السيناريو يرجحه ناصر رفاعي حاكم ولاية كادونا ذات الثقل الانتخابي الكبير في الشمال وهو أحد أقرب حلفاء الرئيس الحالي محمد بخاري.

ويرى رفاعي أن هنالك أجندة خفية وراء القرار؛ وأوضح في تصريحات صحفية: “على الرغم من أن الهدف المعلن لسياسة تغيير العملة هو الحد من غسيل الأموال؛ إلا ان الأجندة الفعلية كانت إيقاف التجارة والتبادل التجاري وبالتالي تأجيج الاحتجاجات والفوضى من أجل جعل إجراء الانتخابات أمرا مستحيلا مما يؤدي إلى انهيار الهيكل الديمقراطي بأكمله أو يؤدي إلى انتفاضة تدعو الجيش لتولي زمام الأمور”.

ويتهم رفاعي مقربين من حليفه بخاري بقيادة هذا السيناريو حفاظا على نفوذهم السياسي والمالي الضخم الذي سيفقدونه بذهاب الرجل الذي حكم البلاد على مدى 8 أعوام ولم تعد له الفرصة للمنافسة على دورة انتخابية جديدة.

وظلت نيجيريا تعاني لسنوات طويلة من انتشار الفساد المالي والسياسي حيث تصنفها منظمة الشفافية العالمية ضمن البلدان ال 25 الأكثر فسادا.

ويعتقد على نطاق واسع أن الآلاف من رجال الأعمال النيجيريين المرتبطين بدوائر سياسية؛ يكدسون أموالا ضخمة خارج النظام المصرفي.

ونتيجة لتفشي الفساد والتزاوج المتنامي بين المال والسياسة تدهورت مؤشرات اقتصاد البلاد الذي يعتبر الأكبر في أفريقيا بناتج إجمالي يقدر بنحو 510 مليار دولار، حيث وصلت الديون الخارجية إلى أكثر من 100 مليار دولار تعادل 13 بالمئة من إجمالي ديون القارة الأفريقية.

ضبط السيولة

أما السيناريو الثاني والذي يرجحه عدد من المراقبين فهو يتحدث عن أن توقيت قرار تغيير العملة مع الانتخابات يهدف إلى تجفيف بؤر الفساد الانتخابية في ظل التقارير التي تؤكد الدور الكبير الذي يلعبه المال في شراء الأصوات.

ولم يستبعد المحلل الاستراتيجي سليماني عليو أن تكون الانتخابات واحدة من الأسباب الرئيسية التي تقف وراء تغيير العملة في هذا التوقيت.

ويقول سليماني لموقع “سكاي نيوز عربية” إن تجارب الانتخابات السابقة شهدت عمليات شراء واسعة للأصوات؛ لذلك فإن من المرجح أن يكون السعي لتحجيم السيولة وتجفيفها.

لكن المحلل السياسي فيليب فان نيكيرك؛ رأى أن صدور القرار في هذا التوقيت ودون استعدادات كافية يثير شكوكا حول الهدف المثالي الذي يشير إلى السعي لضبط السبولة من أجل تحجيم الفساد المالي في العملية الانتخابية.

ويبرر نيكيرك رؤيته بالقول بأنه لا يمكن أن يصدر قرار مثل هذا دون استعدادات كافية؛ فقد حدثت الفوضى الحالية التي تلقي ظلال قاتمة على مجمل العملية الانتخابية بسبب شح السيولة؛ حيث لم يوفر البنك المركزي سوى أقل من 10 بالمئة من الأوراق النقدية الجديدة التي تكفي لتغطية الأموال القديمة التي أدخلها المودعين إلى المصارف قبل انتهاء صلاحيتها والمقدر حجمها بنحو 2.7 تريليون نايرة.

سيناريو التكديس

وفقا للمحلل السياسي؛ فيستو لويت فإن الانفلاتات الأمنية؛ ظلت تاريخيا؛ تشكل تحديا كبيرا أمام العملية الانتخابية في نيجيريا.

ويقول لويت لموقع “سكاي نيوز عربية” إن بعض الأحزاب المتنافسة درجت على استخدام أساليب مختلفة خارج إطار التنافس السياسي الطبيعي؛ بما في ذلك إثارة الفوضى والنعرات الإثنية والدينية؛ الأمر الذي يتطلب إنفاق أموال ضخمة ربما قد يجدون صعوبة في توفيرها في ظل الشح الحالي؛ أو ربما يكون البعض قد استأثر على حاجته منها بسبب نفوذه السياسي.

دفاع وتفاؤل

رغم كل الاتهامات والسيناريوهات السابقة؛ يدافع البنك المركزي النيجيري بقوة عن قرار تغيير العملة عبر أهداف معلنة.

ويقول محافظ البنك؛ غودوين إميفيلي؛ على حسابه في “تويتر” إن أخد أهم الأهداف هو الحد من التعاملات النقدية وتشجيع التداولات الإلكترونية.

ويشير البنك المركزي إلى أن عملية تغيير العملة اقتضتها ضرورة امتصاص السيولة المتداولة خارج النظام المصرفي والضريبي والتي تقدمها تقارير مستقلة بنحو 70 بالمئة من إجمالي الكتلة النقدية في البلاد المقدرة بنحو 4 تريليون نيرة “الدولار يعادل نحو 460 نيرة”؛ والتي تتركز بشكل أساسي لدى شبكات فساد كبيرة تقودها مجموعات لها تشابكات ومصالح تريد حمايتها.

كما اعتبرت تقارير أخرى أن تجفيف تمويل الإرهاب واحدا من أهداف تغيير العملة حيث لجأت مجموعات إرهابية إلى انتهاج سياسة الخطف من أجل الحصول على فدية؛ وهذه الفئة تحتفظ بالأموال التي تجنيها سواء من عمليات الخطف والنهب لا تذهب إلى النظام المصرفي ويتم الاحتفاظ بها نقدا.

وفي الجانب الآخر؛ وبعيدا عن الجدل الدائر حول فوضى السيولة وغيرها من الأزمات الأمنية التي أثارت شكوكا حول العملية الانتخابية؛ تؤكد مفوضية الانتخابات في نيجيريا قدرتها على تنظيم عملية التصويت في موعدها؛ على الرغم من إقرارها بتردي الأوضاع الأمنية في البلاد.

وقال رئيس المفوضية محمود يعقوبو إن جميع المسجلين سيكونون قادرين على الإدلاء بأصواتهم، لكن في الجانب الآخر؛ يقول مراقبون إن العملية الانتخابية برمتها قد تكون معرضة للخطر إذا لم يتم التعامل بحسم مع الفوضى الحالية وحالة انعدام الأمن او الحد منها بشكل كبير وتشديد الإجراءات الأمنية على مراكز التصويت.

skynewsarabia.com