وكشف وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو، الثلاثاء، عن زيارة للرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى أنقرة في مارس المقبل، من المرتقب أن تشهد تعيين ممثلين خاصين لكلا البلدين وتطبيع العلاقات بين البلدين باتخاذ خطوات من كلا الجانبين.
وبدت ملامح عودة العلاقات الرسمية بين أنقرة وتل أبيب واضحة للعيان خلال الأشهر الماضية، وسط الإدلاء بما يمكن وصفه بـ”التصريحات الدافئة” من الجانبين.
ففي لقاء للرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع أعضاء الجالية اليهودية التركية وأعضاء “تحالف الحاخامات في الدول الإسلامية”، ديسمبر الماضي، قال إنه يولي اهتماما للحوار الذي تم إحياؤه مجددا، سواء مع الرئيس الإسرائيلي أو رئيس الوزراء نفتالي بينيت.
وحينها لفت أردوغان إلى الأهمية الحيوية للعلاقات التركية الإسرائيلية في أمن واستقرار المنطقة.
ولم يكن هذا فقط أول مؤشرات عودة العلاقات بين البلدين، ففي نهاية نوفمبر من العام الماضي جدد أردوغان رغبة بلاده في تحسين العلاقات مع إسرائيل ومصر، ردا على سؤال صحفي عن العلاقات مع القاهرة وتل أبيب.
وبدت الأمور أكثر انفتاحًا مع إفراج تركيا عن زوجين إسرائيليين احتجزتهما لمدة أسبوع تقريبا للاشتباه في تجسسهما، وهو ما نفته إسرائيل.
وعقب تلك الخطوة، أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي اتصالا بالرئيس التركي شكره فيه على الإفراج عن الزوجين، في أول اتصال على هذا المستوى بين الدولتين منذ عام 2013.
ويعود تدهور العلاقات بين تل أبيب وأنقرة إلى الحملة العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2008، التي وصلت إلى حد القطيعة أكثر عقب اعتراض البحرية الإسرائيلية “أسطول الحرية” في مايو 2012.
لكن ظل التأرجح في العلاقات سيد الموقف، ففي الوقت الذي أعلنت به تركيا استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل عام 2016، عاد التوتر من جديد من جراء موقف تركيا من العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، ومن وقتها أصبحت العلاقات الدبلوماسية على مستوى القائم بالأعمال.
استقرار إقليمي
وأوضح خبير الشؤون التركية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بشير عبد الفتاح، أن التفاهمات الرسمية بين تل أبيب وأنقرة ستؤدي إلى إعادة هندسة العلاقات الإقليمية بشكل أو بآخر، بما يمهد الطريق لفرص تقارب أوسع.
و”ستكون القضية الفلسطينية هي النقطة التي ستشكل ارتكازا للعلاقات بين البلدين”، حسب عبد الفتاح الذي تحدث لموقع “سكاي نيوز عربية”، قائلا إن “تركيا ستحاول أن توازن علاقتها بإسرائيل مع الجانب الفلسطيني من خلال الضغط على تل أبيب لاتخاذ خطوات فيما يتعلق بعملية السلام”.
وهذا ما ذهب إليه مولود جاويش أوغلو بالقول إن تطبيع العلاقات التركية الإسرائيلية قد يسهم في تعزيز دور تركيا في التوصل لحل الدولتين، مشددا على تمسك بلاده ببعض الثوابت والمبادئ بما في ذلك حل الدولتين.
وأضاف خبير الشؤون التركية أن “هذا التقارب قد يحمل في طياته تحقيق استقرار إقليمي وحلحلة لبعض الملفات والأزمات التي شهدت توترا بين الجانبين”.
وقال عبد الفتاح إن عودة العلاقات تمليها مصالح الطرفين في آن واحد، فـ”أردوغان لديه يقين أنه لا يمكن الاحتفاظ بعلاقات إيجابية وبناءة مع الغرب والولايات المتحدة من دون علاقات قوية مع إسرائيل”، لافتا إلى أن التعاون الاستخباراتي والأمني والعسكري والاقتصادي أمر مهم للغاية ما بين الطرفين، و”استمرار الخلاف كان يعني وضع تركيا في عزلة دولية وإقليمية ذات تكلفة مرتفعة بالتزامن مع جائحة كورونا وارتباك الاقتصاد التركي”.
وشدد عبد الفتاح على أن “الهدف من عودة العلاقات يتمثل في استعادة الاستفادة الاقتصادية والتكنولوجية، والأمر الثاني تحسين علاقات تركيا بأوروبا والولايات المتحدة والناتو على اعتبار أن إسرائيل هي الوسيط في هذه العلاقة”.
وكانت تركيا أول دول في المنطقة والعالم الإسلامي التي اعترفت بإسرائيل وعقدت علاقات دبلوماسية واقتصادية معها، منذ عام 1949.
وعقدت الدولتان اتفاقية للتعاون العسكري منذ أواسط التسعينيات، ومن حينها يجري التنسيق في العلاقات الإقليمية بينهما، رغم الخلافات التي برزت خلال السنوات الماضية.
تسوية للخلافات
وحسب الخبير المختص بالشأن التركي كرم سعيد، فإن هناك جملة من المؤشرات دلت على تحرك تركيا نحو تحسين علاقتها بإسرائيل منذ الشهور الماضية، وعلى رأسها زيادة زخم الاتصالات بين البلدين في الفترة الأخيرة، وآخرها دعوة الرئيس التركي نظيره الإسرائيلي لزيارة بلاده، في خطوة تؤكد الانفتاح على إسرائيل في المجالات غير التقليدية.
وأوضح سعيد في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن من بين هذه المؤشرات استضافة أردوغان لأعضاء من الجالية اليهودية التركية وتحالف الحاخامات في الدول الإسلامية الذي جاء للتأكيد على أن العلاقات التركية الإسرائيلية حاسمة لاستقرار المنطقة وأمنها، وأنه يجب إحياء الحوار بين البلدين.
وقبل أيام، أحيت وزارة الخارجية التركية ذكرى ضحايا الهولوكوست ممن قتلوا بشكل منهجي على يد النظام النازي والمتعاونين معه، وفق بيان رسمي.
وقال الخبير المختص بالشأن التركي إن “هذا البيان كان مؤشرا كذلك على الانفتاح على إسرائيل”، مشيرا إلى أن التعاون بين تل أبيب وأنقرة مرتبط بالتكيف مع التحولات الجيوسياسية في المنطقة، فـ”مساعي تركيا نحو التقارب مع إسرائيل لا تنفصل عن عمليات استعادة العلاقات التي تتم مع عدد من دول المنطقة”.
ولفت إلى أن استعادة العلاقات مرتبطة بالانتقادات التي وجهت في أوقات سابقة من قبل المعارضة التركية لأردوغان بأنه كان السبب في احتقان علاقات تركيا مع عدد من القوى الإقليمية والدولية، وبالتالي يسعى الأخير إلى تسوية هذه الأزمات كافة وتكثيف التعاون مع دول الجوار.