وسلط التقرير السنوي الأخير، الذي أصدرته جمعية الكنائس البروتستانتية في تركيا “TAK”، الأضواء على أحوال المسيحيين الأتراك من أتباع المذهب البروتستانتي في البلاد.

وعدد التقرير أشكال التهميش والتمييز والاضطهاد التي تطال أبناء هذه الطائفة من المواطنين الأتراك، لأسباب سياسية وسلطوية، تتعلق بالسياسات المُتبعة في تركيا.

الاضطهاد حتى في الجائحة

وأشار التقرير بشكل مفصل إلى آثر جائحة كورونا على أبناء الطائفة، حيث لا تمنح حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان تراخيص شرعية واضحة لمواقع إقامتهم لشعائرهم الدينية، مما أربك أبناء ورعاة هذه الطائفة.

وأبناء الطائفة البروتستانتية، حسب التقرير، لا يتمتعون بنفس المزايا والموقع القانوني الذي يشغله أبناء الطوائف المسيحية الأخرى في تركيا، وهذا ما يدفع إلى إيجاد صعوبات تمنعهم من العثور على أماكن ومساحات مناسبة لالتقاء أبناء الطائفة وممارستهم لطقوسهم.

ومجموع الأماكن الخاصة بأبناء الطائفة، بما في ذلك الكنائس والجمعيات الخيرية والمؤسسات الثقافية الخاصة بهم، يقل عن 200 موقع، وكلها مستأجرة وغير مملوكة لهذه المؤسسات.

ومسألة عدم القُدرة على ملكية الأماكن هي البوابة لصعوبة تشكيل جمعيات “مدنية” خاصة بالطائفة، التي كانت تعاني صعوبة جذرية حتى قبل عام 2020 حسبما يشرح التقرير، خصوصا أن حكومة أردوغان غيّرت خلال هذا العام اللوائح التنظيمية لتشكيل الجمعيات.

الترحيل والمنع

التقرير خصص أجزاء مطولة منه إلى مسألة ترحيل من اسمتهم “القادة الأجانب للكنائس” من قِبل الحكومة التركية، الذي يكون في أحيان كثيرة على شكل منع الدخول إلى الأراضي التركية، مشيرا إلى وجود  100 عملية رفض في هذا الإطار.

ويؤدي هذا المنع إلى “قلة فرص التدريب اللاهوتي”، الأمر الذي دفع العشرات من رُعاة الكنيسة البروتستانتية “القُساوسة” إلى تلقي تدريبات خارج البلاد.

كذلك يشير التقرير إلى ما تقوم به السلطات التركية من خلال البحث عن الأزواج أو الزوجات الأجانب المُقترنين بمواطنين أتراك من أبناء هذه الطائفة، الأمر الذي يدفع بأبناء الطائفة للهجرة من بلدانهم، الأمر الذي يُهدد باندثارها.

وفي وقت سابق، تحدث عدد من أبناء هذه الطافة في أحاديث إلى صحيفة “التايمز” البريطانية عن الاضطهاد الذي تعرضوا له في تركيا، مما أجبرهم على ترك بلادهم.

قصة القس برونسون

وعلى سبيل المثال، فقد كان أزواجهم قد تعرضوا لمضايقات وضغوط تتعلق بإقامتهم في تركيا، حتى لو كانوا أمهات ويرعون أطفال رُضع، مما دفعهم للنزوح مع باقي أفراد عائلاتهم.

ومما جعل أحوال المسيحيين في تركيا في دائرة الضوء، خلال الأعوام الماضية، قصة القس الأميركي، أندرو برونسون، الذي كان راعياً لكنيسة القيامة الصغيرة للبروتستانت في مدينة أزمير التركية.

وزجت حكومة أردوغان بالقس في السجن، ووجهت له تهمة التجسس والصِلة مع حزب العمال الكُردستاني ورجل الدين التركي المُقيم في الولايات المُتحدة فتح الله غولن، وفي نهاية المطاف أجبرت أنقرة على  إطلاق سراحه، تحت ضغط الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب.

الباحث التركي المقيم في الولايات المتحدة، جودت أوشن شرح  لموقع “سكاي نيوز عربية” علاقة السلطة التركية مع أبناء هذه الطائفة.

وأوضح أوشن أن العلاقة تتلخص في عنصرين: “الأول، أن أبناء الطائفة البروتستانتية لا يشبهون باقي أفراد الجماعات المسيحية التركية، فهؤلاء بأغلبيتهم من المواطنين الأتراك، وليسوا أبناء قوميات أخرى، يونان أو سريان أو أرمن”.

والثاني، أن “تركيا تعتبر ملف الطائفة البروتستانتية مرتبط بشكل وثيق بعلاقتها مع الولايات المُتحدة، فالجمعيات والكنائس البروتستانتية بأغلبيتها ذات روابط من المؤسسات والكنائس الأم في الولايات المُتحدة”.

يُعتبر البروتستانت، الذين يُشملون عادة مع الأنغليكان في نفس الطائفة، من أصغر الجماعات الدينية في تركيا. حيث تقول الأرقام الكنسية بأن أعدادهم تبلغ حوالى 9000 مسيحي بروتستانتي، ينتشرون بالذات في المناطق الغربية من البلاد.

ويقر الدستور التركي بحرية الدين للأفراد، لكن ذلك لا يُطبق فعلياً إلى بشكل نسبي للغاية، فالمؤسسات ودور العبادة والتنظيمات الجمعية لا تتمتع بذلك، بالذات لأبناء هذه الطائفة.

وتعرضت دور للعبادة البروتستانتية لهجوم بالزجاجات الحارقة عام 2006، كذلك راح ثلاثة من البروتستانت ضحايا لهجوم على دار “الكتاب المُقدس” في مدينة ملاطية التركية عام 2007، و حدث ذلك بعد هجمات إعلامية شنها الإعلام التركي على أبناء ومؤسسات تلك الطائفة.

حقائق عن المسيحيين في تركيا

وكانت تركيا موطناً تاريخياً لأبناء الديانة المسيحية، فقد كان مسيحيو تركيا يُقدرون بنحو 20 بالمئة من سكانها خلال سنوات الحرب العالمية الأولى 2014-2018، لكن المجازر التي طالهم وهجراتهم الجماعية، قلصته نسبتهم لتكون أقل من 0.3 بالمئة من مجموع السكان، حيث يُقدرون بحوالى 200 ألف مسيحي فحسب، يشكل الروم الأرثوذوكس والكاثوليك النسبة الأكبر منهم.

ويتعرض المسيحيون الأتراك عموماً، والبروتستانت خصوصاً إلى حملات شعبوية للتحذير من خطرهم. إذ صنّف مجلس الأمن القومي التركي عام 2001 المبشرين البروتستانت كثالث تهديد للأمن القومي التركي، كذلك كانت القوات المسلحة التركية قد طالبت عام 2004 بقوانين تقيد من النشاطات التبشيرية في البلاد.

ومن المُحتمل أن يُشكل التقرير الأخير ضغطاً إضافياً على أنقرة، سواء من قِبل الولايات المُتحدة، حيث تُصدر وزارة الخارجية الأميركية تقريراً سنوياً حول الحريات الدينية في العالم. كذلك سيكون بمثابة عائق مضاف في ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. 

skynewsarabia.com