هذا واضح من الشقق الفارغة الكثيرة التي أصبحت تجدها في ضواحي المدينة، فسكان اليابان ككل يتناقصون، فبعد أن بلغ عدد السكان 128 مليون نسمة في السنوات الأخيرة، لم تتمكن اليابان من تجاوز هذا العدد، وبدأ بالتراجع، وهذه أول حالة من نوعها تحدث لدولة رئيسية في العالم ذات اقتصاد قوي ومؤثر، وأصبح عدد سكانها الآن 126 مليون، أي بتراجع مليوني نسمة، وتشير التقديرات إلى أن عدد السكان سيتراجع بحوالي 30 مليون نسمة بحلول عام 2050، ليصبح عدد سكان اليابان حوالي 100 مليون نسمة.

طوكيو التي تعد الآن أكبر مدينة في العالم من حيث عدد السكان، ستتراجع عن هذا المكان، هناك مدن أخرى في العالم تنمو سكانيا بمعدلات سريعة مثل كينشاسا وبومباي ودلهي، وبالتالي من المتوقع أن تتراجع طوكيو، لتخرج بالكامل من قائمة أكبر عشرة مدن في العالم من حيث عدد السكان.

ويقول أحد الخبراء أن عدد سكان طوكيو العاصمة يزداد نسبيا بسبب هجرة الشباب إليها من المدن الأخرى لأن فيها فرص عمل أفضل، ولكن تناقص عدد السكان في كل الدولة أكبر وأسرع من ذلك، وسينعكس على طوكيو بشكل مباشر ومؤثر.

نهضة اقتصادية في الثمانينات

سطرت اليابان في الثمانينات قصة نجاح مميزة، أسعار الأراضي كانت دوما في ارتفاع، حيث تضاعف سعر الأراضي 6 إلى 7 مرات، وتم تسجيل عمليات بيع لأراضي وسط طوكيو بسعر 700 ألف دولار للمتر المربع، والبورصة تنمو بشكل جيد، كما تحولت عيون العالم إلى الابتكارات اليابانية المتعاقبة لتصبح اليايان من أبرز دول العالم في التصنيع والتكنولوجيا، ناطحات السحاب انتشرت، وبالقطارات السريعة الجديدة ضخت الدم أكثر في هذه المدينة. ولكن في عامي 90 و91 انفجرت هذه الفقاعة، وانخفضت أسعار العقارات إلى قرابة النصف، ومرت اليابان بحوالي عشرين عاماً من الأوقات العصيبة، انتعشت الأسواق جزئياً، ولكن اليابان لم تتعافى أبدا من ذلك الانهيار الذي تم.

وبالرغم من ذلك فإن هيئة مدينة طوكيو لا يزال يعكس صورة الثمانينات، أيام الطفرة الاقتصادية.

حينما ارتفعت أسعار الأراضي في الثمانينات، دفع ذلك إلى البناء على الأطراف، لتتوسع المدينة أكثر وأكثر، وكان ذلك سهلاً وممكناً لأن نظام النقل الداخلي في طوكيو كان مميزاً ومتقناً، وأصبح من الطبيعي أن يعيش الناس على بعد يصل إلى 50 كيلومترا من مركز المدينة حيث يعملون، ولكن هذه الأماكن البعيدة هي ما أصبحت اليوم شققاً خالية، مما جعل البعض يقول بأنه كان من الأفضل ألا يتم بناؤها من الأساس.

عندما توقف ارتفاع أسعار الأراضي، وزادت الإعانات الحكومية، زادت ناطحات السحاب في وسط المدينة، وكلما يتم بناء ناطحة سحاب جديدة، يزداد عدد من يهجرون الأطراف ليسكنوا في وسط المدينة، وهذا ما يزيد من قلة عدد السكان في الضواحي.

هل طوكيو حقا أكبر مدينة؟

حالياً يصل عدد سكان مدينة طوكيو إلى حوالي 37 مليون نسمة، وهو ما يجعلها المدينة الأولى في العالم من حيث عدد السكان، ولكن المختصون يجادلون في هذه النتيجة، حيث أن تصنيف أكبر مدينة يعتمد على طريقة العد وحدود المدينة، وعوامل أخرى.

يقول بعض الخبراء أن أكبر منطقة حضرية في العالم هي منطقة شنغهاي في الصين، حيث يعيش 150 مليون نسمة في منطقة واحدة، تضم عدة مدن متجاورة مثل شنغهاي هانغتشو ونينغبو ونانجينغ، وبينهم شبكة قطارات عالية السرعة، مما يجعل بعض المختصين يدرجها منطقة حضرية واحدة، وبالتالي يرون أنها تتفوق على مدينة طوكيو من حيث عدد السكان.

تراجع السكان يؤدي إلى تراجع الاقتصاد

التراجع السكاني سيؤثر بشكل واضح على طوكيو وقوتها الاقتصادية، حيث أن ازدياد عدد السكان له آثاره الإيجابية على الإنتاج والاقتصاد وهذا كان أحد أسباب نمو اليابان خلال القرن العشرين، الوضع الاقتصادي حالياً ليس كما كان في السابق، في الجيل الجديد أصبح يعاني أكثر لتدبير أمور حياته، ولم يعد لديهم أمان وظيفي عالي مثل آبائهم، وهذا بدوره يساهم أكثر في انخفاض عدد السكان لأن الجيل الجديد لا يريد أطفالاً كثيرين، وبالتالي فهي أصبحت مثل العجلة، فضعف الاقتصاد يقلل من عدد السكان، وقلة عدد السكان تضعف الاقتصاد أكثر. بعض الدول في العالم تستقبل مهاجرين مما يكون له دور في زيادة عدد سكانها، ولكن السابان لا تفعل ذلك، فسياساتها صارمة في قبول القادمين إليها من غير اليابانيين.

يقول بعض الخبراء أن المشكلة الأكبر التي تواجه الحكومة اليابانية ليست هي قلة عدد السكان، بل قلة عدد النخبة منهم من أصحاب الخبراء والتعليم الممتاز، زلكن الجانب الإيجابي لانخفاض عدد السكان هو أنه سيصبح من السهل للجيل القادم العثور على وظيفة، وبالتالي ستنخفض نسبة البطالة أكثر في البلاد.

البطالة في طوكيو أقل من 3 بالمئة، وتعد طوكيو أيضاً من أكثر دول العالم أماناً، معدلات الجريمة فيها منخفضة وتتراجع عاماً بعد عام، ووصلت في عام 2020 إلى أدنى مستوى لها منذ الحرب العالمية الثانية.

أكبر مدن العالم الآن وفي المستقبل

تعد مدينة طوكيو حالياً أكبر مدينة في العالم من حيث عدد السكان، حيث يقطنها 37.4 مليون نسمة، تليها مدينة نيو دلهي (29.4 مليون)، ثم شنغهاي (26.3 مليون)، ثم ساو باولو (21.7 مليون)، ثم مدينة مكسيكو سيتي (21.6 مليون) ثم القاهرة (20 مليون).

ولكن تشير التوقعات إلى تغييرات كبيرة في هذه القائمة مستقبلاً، فحسب تقديرات المختصين فإن أكبر مدن العالم في عام 2100 ستكون لاغوس في نيجيريا بحوالي 88 مليون نسمة، تليها كينشاسا في الكونغو بثلاثة وثمانين مليون نسمة، ثم دار السلام في تنزانيا (74 مليون)، ثم بومباي في الهند (67 مليون)، ثم دلهي (57) مليون.

skynewsarabia.com