فبعد فرض منع التجول منذ السادسة مساء كل يوم الى السادسة صباحاً، يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يتجه غداً الأربعاء، الى قرار الإغلاق التام، في وقت حذر فيه رئيس المعهد العلمي جون فرنسوا ديلفريسي من “وضع طارئ”، معتبراً أن هذا الأسبوع “كان خطيراً”، داعياً الحكومة الى إجراءات سريعة، وسط توقعات انتشار السلالة الجديدة من فيروس كورونا بشكل أوسع.
مخاوف المواطنين الفرنسيين من أصول عربية، تمازجها مشاعر من الأسى والحيرة. فكثير منهم لم ير أفراد عائلاته المقيمة في البلدان العربية، بسبب منع السفر والإجراءات الصارمة، وبعضهم تتهدد حياته بسبب انتشار الفيروس وتشدد الاجراءات، وفي وقت تتجه الحكومة فيه الى قرار الإغلاق التام الذي سيكون “كارثياً” عليهم.
عبده شعراوي، وهو عامل مصري في سوق الخضار المفتوح قرب محطة مترو “سيمبلون” (خط رقم أربعة)، يقول لموقع “سكاي نيوز عربية” أن الإغلاق سيكون “مأساوياً” عليه وعلى كثير من العمال المصريين العاملين في باريس. موضحاً أنه منذ عام ونصف خسر كثير من العمال المصريين الذين كانوا يعملون في ورش البناء أساساً عقودهم غير الثابتة، بسبب سياسات الإغلاق والإجراءات التي رافقت انتشار الفيروس وتوقف معظم الورش عن العمل. مشدداً أن معظمهم وجدوا أعمالاً متفرقة، منها العمل باعة أو حمالين في أسواق الخضار الشعبية أو نواطير في البنايات أو عمال تنظيف في مؤسسات خاصة، تستغل ظروفهم وتشغلهم بأجور غير مصرح عنها وبتعرفة قليلة.
ويؤكد الشاب أنه منذ سنتين لم ير عائلته التي تقيم في سوهاج في صعيد مصر. “ابنتي تقول لي انت حتيجي إمتى؟. ببقى حابس دموعي. ما عنديش حاجة أقولها. نسيت هي كبرت إزاي بالسنتين دول”، يقول بحسرة، ويضيف: “إذا بقي الحال هكذا سأعود الى مصر”. والحال أن بعض العمال المصريين الذين وجدوا أنفسهم في ليلة وضحاها، بلا أوراق ثبوتية يضطرون للعمل بأشغال لا يتقنونها وفي ظروف قاسية ومخاوف من ملاحقة الشرطة لهم.
يقول سامح (25 سنة)، وهو عامل مصري، يعمل عتالاً في السوق، ويبقى معظم وقته في حافلة لنقل الخضار خوفاً من مداهمات طارئة من قبل شرطة البلدية أو الشرطة المحلية، أن مدة إقامته انتهت منذ شهرين ونصف وهو اليوم يقيم بشكل غير شرعي. يضطر سامح لدفع أجرة إقامته في شقة يشاركه فيها 20 شخصاً ممن لا أرواق لديهم، موضحاً: “أشعر أني عالق في مكاني، إذا عدت ماذا سأفعل في مصر، لدي زوجة وابنتين وعليّ إعالتهما على الأقل التحويلات التي يمكن أن أرسلها لهم تسد عنهم الجوع، لكن إذا حصل الإغلاق التام فسأصبح في الشارع، لا أوراق ولا عمل ولا قدرة على دفع إجرة منامتي”.
أوضاع بعض العمال المصريين المقيمين، تتقاطع بعض الشيء مع أوضاع بعض الشبان الجزائريين، الذين يقيمون بلا أوراق ثبوتية، ويتواجدون بين شوارع محطات مترو “سيمبلون”، و”بارباس”، و”ماكس دورموي”. يانيس وهو شاب في التاسعة عشرة من عمره، دخل الى فرنسا بطريقة غير شرعية، ويقيم في شقة صغيرة مع شبان آخرين في بولفارد بارباس يقول لـ”سكاي نيوز عربية”: “منذ قدومي الى فرنسا منذ عام وأنا بلا أوراق. أعمل اعمالاً متفرقة. لدي دراجة هوائية أوصل عبرها توصيلات الطعام الديلفري، هذا عمل يؤمن لي بعض مصاريفي. لكن أضطر الى عدم العمل في المساء بسبب الإغلاق وخوفاً من ملاحقة الشرطة”.
يشير الشاب الذي يرتدي كنزة رياضية عليها اشارة علم الجزائر، أنه لا يحق له العمل. “كنت أريد تقديم طلباً للجوء أو البدء بإجراءات لتسوية أوضاعي، لكن كورونا أوقفت كل شيء”. يضيف أنه يضطر أحياناً للعمل في بيع المخدرات والحشيش على مداخل محطة “بارباس”: “إذا لم أفعل هذا سأموت من الجوع. أعيش في شقة صغيرة مع آخرين وندفع للشاب المغربي الذي يؤجرنا ما قيمته 700 يورو شهرياً، علي أن أؤمن على الأقل 600 يورو كل شهر لدفع الإيجار وتأمين مصاريف الأكل وتشريج هاتفي”. ويشرح الشاب بشيء من الحزن، “فكرت أن بقدومي الى فرنسا ستفتح أمامي أبواب جديدة، يبدو أن جحيماً كبيراً كان ينتظرني وكورونا زاد الوضع سوءاً”.
ويبدو أن الفيروس الذي قضى على حياة كثير من العائلات الباريسية التي تركت شققها ولجأت للعيش في القرى والضواحي الصغيرة، بعد خسارة أعمال ذويها، أثر بشكل كبير على حياة المغربي أمين إدريس، الذي يعمل في ملحمة عربية. إذ أن تراجع البيع بسبب أزمة الفيروس، أدى الى تقليص أيام عمله، ومخاوفه اليوم تزداد عشية الحديث عن إغلاق تام، “اعمل بلا عقد ثابت، لهذا لن تتوفر لي مساعدة البطالة التقنية المخصصة للعمال أصحاب العقود في ظروف كورونا، والتي تسمح لهم بقبض جزء من معاشاتهم رغم وجودهم في البيت”، موضحاً أنه اذا صار الإغلاق فسيجد نفسه بعد شهرين بلا مأوى، “كيف سأستطيع تأمين أجرة شقتي؟. هذا أمر يقلقني للغاية. أفكر بكل الاحتمالات. والاصعب أنه إذا استمر الاغلاق التام واغلقت المطارات فلن أستطيع العودة الى المغرب”.
أحوال بعض العمال العرب وشبانه الذين وجدوا أنفسهم محاطين وسط الخوف من انتشار الفيروس، والحنين الى بلادهم وخيبتهم في أحوال معيشية مرهقة وظروف عمل قاسية، لن يبددها الوقت على الأرجح، يقول يانيس: “هربنا من مآسي بلادنا، فجاء الفيروس ليدمر آخر آمالنا بالنجاة”.