يصف بعض المعلقين عهدها بأنه “عصر ذهبي” يشبه عصر الملكة التي حملت الاسم نفسه إليزابيث الأولى، التي حكمت إنجلترا قبل 400 عام في فترة شهدت تنامي قوة البلاد وازدهارها الثقافي.

قالت فاليري آموس، وهي سياسية سابقة وأول شخص من أصحاب البشرة السوداء تمنحه الملكة “وسام فرسان الرباط” القديم “أعتقد أنه يُنظر إلينا بطريقة ما من خلال الملكة.. الاتساق، والحكمة التي أظهرتها، كل ذلك انعكس بوضوح على الطريقة التي ينظر بها الناس إلى بريطانيا“.

يقول آخرون إن تأثير الملكة البالغة من العمر 96 عاما على الأمة كان أقل عمقا من تأثير سلفتها، مع تقلص سلطات العرش منذ العصر الإليزابيثي الأول.

يقول بعض المنتقدين إنها لم تترك أي أثر ملموس، مجرد مؤسسة غير ملائمة في عالم تسوده تطلعات المساواة، وتعليقات لا تشي بالاحترام الواجب على وسائل التواصل الاجتماعي، وتدقيق من قبل وسائل الإعلام على مدار الساعة.

رغم ذلك، لا يزال إرثها رائعا وهو ضمان بقاء النظام الملكي في عصر التغير السريع.

اعتلت إليزابيث العرش وكان عمرها 25 عاما في السادس من فبراير 1952، بعد وفاة والدها جورج السادس، عندما كانت بريطانيا تنفض غبار الحرب العالمية الثانية. كان نظام توزيع الحصص لا يزال ساريا وكان ونستون تشرشل رئيسا للوزراء.

منذ ذلك الحين، تعاقب رؤساء وباباوات ورؤساء وزراء.. جاءوا ورحلوا، وانهار الاتحاد السوفيتي وانهارت الإمبراطورية البريطانية، وحل محلها كومنولث يضم 56 دولة كان لإليزابيث دور أساسي في إنشائه.

قال البروفيسور فيرنون بوجدانور، الخبير في التاريخ الدستوري البريطاني “لم تحقق أي من القوى الإمبريالية الأخرى ذلك… وفي بريطانيا، أُجريت تغييرات اجتماعية واقتصادية هائلة بصورة سلمية توافقية.. هذا رائع جدا“.

حقبة إليزابيثية ثانية؟

مكثت إليزابيث الأولى 44 عاما على العرش في القرن السادس عشر، وهي فترة اعتُبرت العصر الذهبي لإنجلترا نما فيها الاقتصاد واتسع نفوذ البلاد وكتب وليام شكسبير مسرحياته التي ما زالت تُمثل وتعرض في جميع أنحاء العالم وتعتبر بين أكثر المسرحيات تأثيرا في كل اللغات.

وقالت الملكة في كلمة تم بثها في عيد الميلاد عام 1953 “أعرب بعض الناس عن أملهم في أن يكون عهدي حقبة إليزابيثية جديدة. أقولها بصراحة، أنا لا أشعر على الإطلاق بأنني مثل سلفتي العظيمة (إليزابيث) تيودور“.

ونظرا لعدم إجراء مقابلة معها أو الكشف عن آرائها الشخصية بشأن القضايا السياسية، يصعب التأكد من تقييمها الخاص لفترة حكمها وهي الأطول في تاريخ بريطانيا. وقالت مساعدة كبيرة للعائلة المالكة لرويترز إنها تعتبر إرثها مسألة يحكم عليها الآخرون.

وقال المؤرخ الدستوري ديفيد ستاركي إن الملكة لم تكن تعتبر دورها تجسيدا لفترة تاريخية، ولكنها كانت تؤدي وظيفة فقط.

وكتب في عام 2015 “لم تفعل ولم تقل شيئا سيتذكره أي شخص. لن يكون ذكرها بسبب عمرها (لأنه ليس من صنعها أو اختيارها) أو بسبب أي شيء آخر، حسبما أعتقد“.

وأضاف “لا أقول هذا للنقد لكنه ببساطة إقرار بالحقيقة. بل إن فيه شيء من الإطراء. وأظن أن الملكة ستأخذه على هذا المحمل. لأنها جاءت إلى العرش بفكرة واحدة فقط.. استمرار الوجود الملكي“.

يقول مؤرخون وكتاب سير آخرون إن آراء ستاركي غير منصفة فيما يتعلق بطريقة أداء الملكة لدورها.

قال أندرو مورتون، الذي تسببت سيرته الذاتية للأميرة ديانا عام 1992 في انشقاقات في العائلة المالكة “في عالم تزداد فيه الفوضى، أعطت (الملكة إليزابيث) إحساسا بالاستقرار“.

يقول البعض إن إصرار الملكة على أداء دورها قدر استطاعتها وامتناعها عن التعبير عن آراء قد تتسبب في أي إساءة منحها سلطة أخلاقية تتجاوز حدود أي شيء كانت تأمر به من واقع منصبها كملكة للبلاد.

قال حفيدها الأمير وليام في فيلم وثائقي عام 2012 “ما تمكنت الملكة من فعله هو… إدخال النظام الملكي إلى القرن الحادي والعشرين بأفضل صورة ممكنة“.

وأضاف “تحتاج كل منظمة إلى النظر إلى نفسها كثيرا والملكية آلة تتطور باستمرار وأعتقد أنها تريد في الواقع أن تكون انعكاسا للمجتمع، وتريد أن تتحرك مع الزمن ومن المهم لها أن تفعل ذلك من أجل بقائها“.

 

القوة الناعمة

من الناحية الدستورية، ليس للملك سلطات عملية تذكر ويُتوقع منه عدم الانحياز لأي حزب.

ومع ذلك، يقول المؤرخون إن إليزابيث مارست القوة “الناعمة” وجعلت الملكية نقطة محورية موحِّدة للأمة وسط الانقسامات المجتمعية الكبيرة، وتجسد ذلك في البث الذي طمأنت فيه الجماهير في بداية جائحة كوفيد-19.

ورغم أن موقعها يسمو فوق الصراعات السياسية، كانت تلتقي برئيس الوزراء في ظهور أسبوعي خاص.

وقالت في فيلم وثائقي عام 1992 “إنهم يبوحون بما يثقل كاهلهم أو يخبرونني بما يجري من أحداث أو ما إذا كانت لديهم أي مشاكل وفي بعض الأحيان يمكن للمرء أن يساعد بهذه الطريقة أيضا“.

وأضافت “يعلمون أنه يمكن للمرء أن يكون محايدا، إذا جاز التعبير. أعتقد أنه من الجيد نوعا ما أن يشعر المرء بأنه نوع من الإسفنج (الذي يمتص الصدمات)

قال قادة سابقون إن خبرتها على مدى سنوات طويلة كانت مفيدة للغاية، إذ سمحت لهم بالتحدث بصراحة دون خوف من نشر محادثاتهم على الملأ.

قال جون ميجور، رئيس الوزراء البريطاني من عام 1990 إلى عام 1997 “بإمكانك أن تكون صريحا تماما أو حتى غير متحفظ مع الملكة“.

وقال توني بلير الذي حل محل ميجور وشغل منصب رئيس الوزراء لعقد من الزمن “إنها تقيم المواقف والصعوبات وتستطيع توصيفها دون أن تقدم مطلقا ما يدل على تفضيل سياسي أو أي شيء من هذا القبيل. إنه لأمر رائع أن نرى ذلك“.

يقول بعض المؤرخين إن الملكة ستعتبر الأخيرة من نوعها، باعتبارها ملك من زمن كانت فيه النخب تحظى باحترام لا شك فيه. لكنها قد تكون واحدة من أعظم الشخصيات في البلاد.

وقالت آنا وايتلوك، أستاذة تاريخ الملكية في جامعة سيتي بلندن “ليس هناك شك في أنها واحدة من أعظم الملوك، ليس فقط بسبب طول عمرها، ولكن لفترة التغيير التي شهدتها“.

وأضافت “وعلى غرار إليزابيث الأولى… لها تأثير ممتد على بريطانيا ومكانة بريطانيا في العالم“.

skynewsarabia.com