وعلى وقع تلك المعطيات لم يكن من الغريب أن تشهد منطقة غرب أفريقيا خلال أقل من عام واحد فقط 4 محاولات انقلاب، بالتزامن مع تشهده من تنامٍ واسع لجماعات العنف والتطرف التي تستغل تأزم الأوضاع وغياب البنية الديمقراطية والحكم الرشيد والتنمية، للانتشار في بيئة مواتية وجاذبة للإرهاب والعنف. بينما في الأخير يدفع السكان في عديد من دول غرب القارة السمراء ثمناً باهظاً لذلك المشهد “المأساوي” شديد التعقيد.

انقلابات متكررة

يقول خبير الشؤون الإفريقية والأمن القومي، اللواء محمد عبد الواحد، إن “إقليم غرب أفريقيا شهد عدداً من الانقلابات خلال العام الجاري، وهي انقلابات يُمكن أن تتواصل خلال الفترة المقبلة، لا سيما مع غياب الأنظمة الديمقراطية في عدد من البلدان، بما يجعل من الانقلابات بهذا الشكل وسيلة للحصول على السلطة، مادام أنه لا توجد شرعية حقيقية، ومن ثم تكسب بعض التعاطف الشعبي، وهو ما حدث أخيراً في غينيا كوناكري”.

ويوضح في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية” أن الانقلابات المماثلة لما وقع في غينيا عادة ما تحدث في قارة أفريقيا، باعتبار أن أنظمة الحكم متشابهة في كثير من دول القارة، والظروف والتحديات كافة متشابهة إلى حد بعيد، لافتاً إلى أن “دول القارة منذ الاستقلال وحتى الآن شهدت قرابة الـ 200 انقلاب، منهم أكثر من 100 انقلاب نجح القائمون عليه في الوصول إلى السلطة وبنفس الأسلوب، طالما ليس هناك عملية تغيير حقيقية ولا توجد أحكام شديدة تحول دون العبث بالمادة الدستورية الملغومة وهي المادة المرتبطة بمدة بقاء الرئيس واستمراره”.

 ما حدث في غينيا مؤخراً هو -بحسب عبد الواحد- نموذج تكرر في عديد من دول الساحل، فقد تكرر في موريتانيا والنيجر ومحاولة الانقلاب في تشاد. ويشير إلى أن “الرابط المشترك في الانقلابات بالمنطقة هو فرنسا؛ على اعتبار أن كل هذه الدول كانت واقعة تحت الاحتلال الفرنسي ولها علاقة بباريس (..)”.

كما يشير إلى الدور الذي تلعبه “القبَلية” فيما يتصل بالانقلابات التي تشهدها القارة، مستدلاً بما يحدث في غينيا، بقوله: إن هذا البلد الصغير يمتلك ثروات هائلة -على رغم فقره- منها الماس والبوكسيت (غينيا من أكبر الموردين للبوكسيت كمادة خام تستخدم في صناعة الألومنيوم)، وهناك أطرف خارجية قد يصب ذلك الانقلاب في مصلحتها، من بينها أطراف بدول الجوار من أصل قبائل الفولاني الذين ينتشرون في تلك الدول، كما يمثلون نسبة تصل من 35 إلى 40 بالمئة في غينيا لكنهم لا يمتلكون السلطة”.

ويعتقد الخبير بالشؤون الأفريقية في الوقت نفسه بأن “تطبيق الديمقراطية هو السبيل لحماية دول غرب القارة الأفريقية، لا سيما من خلال حماية المادة الدستورية المرتبطة بمدة فترة الرئاسة”، موضحاً في الوقت نفسه أن الانقلاب الذي وقع في غينيا كوناكري إذا لم يتم إنهاؤه بسرعة وفرض حالة من الاستقرار داخل الدولة فمن الممكن أن تدخل في صراع أوسع، بالنظر لاعتبارات التركيبة القبلية، فضلاً عن الأوضاع الاقتصادية، وكذلك التدخلات الخارجية، لا سيما من قبل القوى الرافضة للتواجد الروسي في المنطقة.

تنعكس غياب البنية الديمقراطية في عديد من دول القارة بالتبعية على الأوضاع الأمنية، وتجعل من عديد من تلك الدولة لقمة سائغة أمام جماعات العنف والتطرف. وتكشف الإحصاءات -المبنية على رصدٍ للبيانات الرسمية بتلك الدول- عن تصاعد العمليات الإرهابية وآثارها المدمرة عاماً تلو الآخر. وفي الستة أشهر الأول من العام الجاري 2021 بلغ إجمالي عدد الهجمات الدامية في أفريقيا ما يزيد على 315 هجوما، خلّف ما يزيد عن 5236 قتيلا، بخلاف المصابين والمختطفين، جاء إقليم غرب القارة ضمن أكثر الأقاليم تضرراً لجهة عدد العمليات والضحايا، طبقاً لتقرير صادر عن منظمة ماعت الحقوقية بالقاهرة مؤخراً.

 اضطرابات أمنية

وبدوره، يتحدث الخبير في شؤون الحركات المتطرفة، منير أديب، عن انعكاس تآكل واهتراء المؤسسات الديمقراطية في عددٍ من البلدان الأفريقية، وبشكل خاص إقليم غرب القارة، على الوضع الأمني وتصاعد فرص التنظيمات الإرهابية في النمو والانتشار في بيئات مواتية لذلك، مشدداً على أن “ثمة أسباب عديدة أدت لانتشار الإرهاب في غرب أفريقيا، ربما أحد أبرز هذه الأسباب عدم وجود مؤسسات ديمقراطية أو حكومات قوية”.

ويلفت في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية” إلى أن “المؤسسات القوية التي نعنيها هي مؤسسات ديمقراطية منتخبة، ولها رؤية اقتصادية وتنموية.. وجود تنمية حقيقية وحكومة منتخبة شرعية وتدار الدول بشكل ديمقراطي ومؤسسي، يعصم تلك الدولة من فكرة الانقلابات، ويمنحها قوة في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، ومن بينها مواجهة جماعات العنف والتطرف”.

ويوضح أن “جماعات العنف والتطرف موجودة داخل أفريقيا عموماً، وفي إقليم غرب أفريقيا بشكل خاص، لعدة عوامل مختلفة، من بينها الاضطرابات السياسية الداخلية، فضلاً عن عدم وجود رقابة حقيقية على حدود أغلب الدول الأفريقية (..) دول مختلفة بهذه القارة هشة وضعيفة على المستوى الديمقراطي، وفكرة الانقلابات هي هوس تمتاز به أفريقيا (..) ولذلك فإن ما حدث في غينيا كوناكري قد ينتقل سريعاً إلى دولة أخرى”.

 ويقول أديب إن “أكثر الانقلابات تكون في أفريقيا عموماً لهذه الأسباب مجتمعة، مع ما تعانيه هذه القارة من فقر وضعف مستوى التنمية وانتشار جماعات العنف والتطرف (..) إذا أردنا مواجهة حقيقية للإرهاب فمن الضرورة بمكان أن تكون هناك دولة قوية وشرعية ديمقراطية وتجرى فيها الانتخابات بشكل متتابع”.

ويلفت الخبير في شؤون الحركات المتطرفة إلى معضلة موازية تواجهها بعض الدول، والممثلة في تعاون رأس الدولة -الذي جاء من خلال الانقلاب في بعض البلدان- للتنسيق والتعاون مع جماعات العنف والطرف، لحماية استمراره (..) هذا التماهي مع تلك الجماعات ذا تأثيرات شديدة الخطورة أيضاً”.

skynewsarabia.com