ومع الاسم الذي لم يكن متداولا على مسامع الكثيرين، ثارت التساؤلات عن قصة المدينة التي لا يسكنها أحد منذ عشرات السنين.. فما هي؟

تقع مدينة فاروشا على الساحل الشرقي لجزيرة قبرص، وهي عمليا ضمن أراضي جمهورية شمال قبرص التركية غير المعترف بها دوليا.

حتى عام 1974، كانت فاروشا مدينة سياحية حيوية، نظرا لوقوعها على ساحل البحر المتوسط، لدرجة أنها كانت تعتبر “لؤلؤة قبرص” و”درة تاجها”، لكن في ذلك العام تحولت إلى مدينة أشباح، بعدما اجتاحها الجيش التركي.

وأفضى الاجتياح التركي لتقسيم الجزيرة إلى قسمين، مع ظهور جمهورية شمال قبرص التي يهيمن عليها القبارصة الأتراك ولا تعترف بها أي دولة سوى تركيا، إلى جانب دولة قبرص المعترف بها عالميا.

وفي ظل سيطرة الجيش التركي على فاروشا، قرر سكانها وكان عددهم آنذاك 50 ألفا، الرحيل عنها، مفضلين العيش في مناطق أخرى بجزيرة قبرص على العيش تحت حراب الأتراك.

ومنذ ذلك الوقت أصدرت الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي عدة قرارات اعتبرت أن فاروشا يجب تبقى خاوية ومغلقة، لأن ملكيتها السياسية والعقارية تعود لدولة قبرص الشرعية، إلى أن يتم حل المسألة القبرصية عن طريق التفاوض.

وأمرت محكمة حقوق الإنسان الأوروبية تركيا بدفع تعويضات لسكان المدينة السابقين الذين انتزعت أملاكهم.

لكن أردوغان يريد كسر هذا الإجماع الدولي، وهو ما قوبل بمعارضة شديدة من كل القوى العالمية والإقليمية.

وكانت فاروشا فيما مضى المنتجع الأشهر في قبرص، ومثلت إحدى أبرز الوجهات السياحية والترفيهية حول العالم، لدرجة أنها كانت مقصد كبار فناني هوليوود والأثرياء من شتى بقاع الأرض.

وتتميز سواحل المدينة بمياهها الصافية، فيما كانت تضم فنادق فخمة وصل عددها إلى 50، فضلا عن مرافقها السياحية وحاناتها ومطاعمها وملاهيها الليلية وأسواقها.

ومع الاجتياح التركي، انطفأ كل هذا الوهج، ليحل محله الصمت الرهيب وتصبح المدينة مهجورة، حيث توقفت فيها عجلة الزمان والحياة.

وتقدر قيمة التعويضات المستحقة لسكان فاروشا الأصليين من القبارصة اليونانيين بأكثر من 5 مليارات دولار.

انكشاف النوايا التركية

ويقول هجار دلشاد، وهو باحث متخصص في الشؤون التركية لموقع “سكاي نيوز عربية”: “سرعان ما كشف أردوغان عن نياته المبيتة فطبعه غلب تطبعه، بعد محاولات تهدئة واعتماد لغة دبلوماسية مع أوروبا وقبرص واليونان خاصة، ومع بعض الدول العربية”.

ويضيف دلشاد: “في تركيا يحارب أردوغان الأكراد ويخونهم ويرتكب المجازر بحقهم، تحت شعاره العنصري الشهير: (وطن واحد.. شعب واحد.. علم واحد) في معرض نفيه للحقوق المشروعة للشعب الكردي في كردستان تركيا، لكنه الآن يصرح من شمال قبرص بأن قبرص يوجد بها دولتان يونانية وتركية، وشعبان يوناني وتركي، فهل ثمة ازدواجية أبشع من هذه؟”.

 اقتطاع جزء من دولة أوروبية

ومن جهة أخرى، يقول الكاتب والمحلل سرتيب جوهر في لقاء مع “سكاي نيوز عربية”: “ليس تفصيلا صغيرا أن يحاول أردوغان جهارا نهارا اقتطاع قسم كبير من دولة أوروبية، وعليه أعتقد أن الأوروبيين سيعملون على بلورة موقف حازم حيال الإعلان التركي الأخير حول منتجع فاروشا وحل الدولتين في قبرص”.

وتوقع جوهر انعقاد جلسة عاجلة لمجلس الأمن الدولي، مع حزمة عقوبات وإجراءات أوروبية أميركية ضد أنقرة.

وطيلة السنوات الأخيرة أجريت جولات تفاوض عديدة بشأن مصير جزيرة قبرص، برعاية الأمم المتحدة باءت كلها بالفشل، وآخرها كان عام 2017 .

ويدفع زعيم القبارصة الأتراك أرسين تتار نحو حل للصراع ينص على إقامة دولتين في الجزيرة بدعم من أنقرة، لكن اقتراح الدولتين يواجه معارضة شديدة وواسعة من الاتحاد الأوروبي.

ورغم أن جمهورية قبرص تشمل كامل الجزيرة المتوسطية قانونيا ودوليا، فإنها لا تمارس سلطاتها في الواقع سوى في الشطر الجنوبي من الجزيرة الذي يفصله خط أخضر تراقبه قوات الأمم المتحدة عن “جمهورية شمال قبرص التركية”، التي لا تعترف بها سوى أنقرة.

skynewsarabia.com