وكشفت مصادر إعلامية أن هذا الانسحاب يأتي ضمن خطة لإعادة انتشار الجيش الفرنسي، ولا يعني بالضرورة الخروج من مالي كليا، حيث تم تسليم قاعدة “تمبكتو” إلى جيش مالي بمشاركة محدودة من الجنود الفرنسيين والماليين وممثلين عن السلطات المحلية ومسؤولين أمنيين، وتم إنزال العلم الفرنسي ورفع المالي في القاعدة.
من جانبها، أكدت مصادر محلية في مالي، لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن ما قامت به القوات الفرنسية بإخلاء القواعد العسكرية شمال شرقي البلاد، لا يعد انسحابا، ولكن هو بمثابة إعادة تمركز في وسط وجنوب البلاد قرب منطقة المثلث الحدودي الواقع بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، لاسيما بعد أن نقلت الجماعات الإرهابية مسرح عملياتها إلى تلك المنطقة.
وفي السياق ذاته، أكد الجنرال دو بيرو قائد قوة “برخان” في مالي، أن فرنسا ستكون حاضرة بشكل مختلف، مضيفا أن هدف مهمة “برخان” في نهاية المطاف هو تمكين مالي من التحكم بمصيرها بنفسها، لكن دائما في إطار شراكة.
منعطف مهم
وتشكل مغادرة الجنود الفرنسيين منعطفا مهما، فبعد مغادرتها قاعدتي “كيدال” و”تيساليت”، استكملت “برخان” بخروجها من “تمبكتو” فك الارتباط في قطاع من شمالي مالي، تماشيا مع إعادة تنظيم القوة الذي أعلن عنه في يونيو الماضي، في موازاة تقليص تدريجي لعدد القوات الفرنسية العاملة في منطقة الساحل.
من جانبها، تقول الدكتورة نرمين توفيق، الباحثة في الشؤون الإفريقية والمنسق العام لمركز “فاروس” للاستشارات والدراسات الاستراتيجية في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”: “إن الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل يقوم بها عناصر تابعة لتنظيمي القاعدة وداعش”، موضحة أن هذه الجماعات “أقامت تحالفات في السنوات الأخيرة، مثل الجماعة التي تطلق على نفسها اسم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وتتواجد بمالي”، مؤكدة أن هذه الجماعات “تستغل هشاشة الأوضاع الأمنية في بوركينا فاسو ودول هذه المنطقة”.
وأضافت توفيق أنه “رغم العمليات الأمنية المشتركة التي تقوم بها كل من النيجر وبوركينا فاسو ومالي، فإنها لم تنهي نشاط الإرهابيين وهجماتهم، حتى بالتعاون مع القوات الفرنسية، وإذا ما أضفنا بدء فرنسا في سحب قواتها من قاعدتها في شمال مالي، فهذا سيعطي فرصة إضافية لنشاط الإرهابيين في منطقة الساحل”.
وتأتي هذه الخطوة في الوقت الذي تدهورت فيه العلاقات بين فرنسا وشريكتها التاريخية مالي إثر انقلابين عسكريين شهدتهما باماكو خلال الشهور الماضية.
وكانت باريس قد تعهدت في يونيو الماضي، بإعادة تنظيم وجودها العسكري في منطقة الساحل، لا سيما من خلال إخلاء قواعدها الثلاث في أقصى شمال مالي، لتركيز قواتها قرب الحدود مع كل من النيجر وبوركينا فاسو.
وتيرة العمليات الإرهابية
وفيما يتعلق بالوضع الأمني في المنطقة، يقول الكاتب والمحلل السياسي من مالي إبراهيم صالح، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن الفترة الأخيرة “شهدت ارتفاع وتيرة الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل، بمجرد أن ألمحت فرنسا إلى تقليص دورها في الساحل وإنهاء عملية “برخان” العسكرية”.
وأوضح رئيس تحرير موقع “أخبار الساحل”، أن “إعلان فرنسا انتهاء عملية “برخان” لا يعني نهاية الوجود الفرنسي في منطقة الساحل بصفة عامة، أو في مالي بصفة خاصة، ولكن هو إعادة تشكيل لاستراتيجية القوات الفرنسية المتواجدة في المنطقة”.
وكانت حدة التوتر بين باريس وباماكو قد زادت مع خطاب رئيس وزراء مالي شوغل كوكالا مايغا، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي اتهم فيه فرنسا بالتخلي عن بلاده في منتصف الطريق بقرارها سحب قوة “برخان”، مبررا بذلك بحث بلاده عن “شركاء آخرين”، من بينهم شركات خاصة روسية.
وبيّن رئيس الوزراء المالي أن الوضع الجديد الذي نشأ بسبب انتهاء “برخان”، يجعل بلاده أمام أمر واقع ويعرضها لما يشبه التخلي في منتصف الطريق، ويقود إلى استكشاف السبل والوسائل لكي تضمن على نحو أفضل الأمن مع شركاء آخرين، لملء الفراغ الذي سينشأ عن إغلاق بعض مواقع “برخان” في شمال مالي، منتقدا قلة تشاور باريس، وكذلك الإعلان الأحادي الصادر من دون تنسيق ثلاثي مع الأمم المتحدة وحكومة باماكو.
وتعليقا على الخطوة الفرنسية، أوضح الخبير في العلاقات الدولية، طارق البرديسي، إن ما تقوم به فرنسا الآن هو إعادة انتشار للقوات وليس انسحابا، مشيرا إلى أن باريس أرادت بذلك نقل مسرح عملياتها من شمال مالي إلى وسط وجنوب البلاد.
وقال البرديسي في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن القوات الفرنسية ستنتشر أيضا في دول الجوار لمالي، مثل بوركينا فاسو والنيجر وتشاد، متوقعا أن تزيد باريس من قواتها خلال هذا التوقيت بعد اتجاه حكومة باماكو إلى الحوار مع بعض الجماعات الإرهابية.
وشدد الخبير في العلاقات الدولية على أن دور فرنسا مهم للغاية في منطقة الساحل والصحراء، حتى في حال تواجد عناصر “فاغنر” الروسية.
وسيطر الجيش الفرنسي على شمال مالي في مطلع عام 2013، بعد معارك عنيفة مع مجموعات إرهابية تنتمي لتنظيم “القاعدة“، حيث أطلقت باريس عملية عسكرية في غاو وتمبكتو وكيدال شمالي البلاد لمكافحة الإرهاب في دول الصحراء والساحل.