وتأتي تصريحات المسؤول الفرنسي قبل يومين من بدء محاكمة المتهمين في هجوم شارلي إبدو عام 2015.
وحذر دارمانين، في كلمة ألقاها خلال زيارته إلى مقر المديرية العامة للأمن الداخلي من أن التهديد الإرهابي “لا يزال مرتفعا للغاية في المنطقة”، موضحا أن “الخطر الإرهابي من جماعات متطرفة لا يزال يمثل التهديد الرئيسي الذي تواجهه البلاد “.
وقال جيرالد دارمانين:” إنه على الرغم من الهزيمة العسكرية لتنظيم داعش، فإن التهديدات الإرهابية الخارجية، حتى لو تضاءلت، ينبغي أن تظل موضوع اهتمامنا الكامل. لكن تبقى التهديدات الداخلية هي الأقوى والأكثر أهمية، وإن كانت تتغذى من دعاية الجماعات الإرهابية في الخارج، وخاصة من تجارب من قدامى المحاربين الجهاديين، ولكن أيضا من خلال العقيدة التي يسعى أنصار التطرف لنشرها في بعض أحيائنا “.
خطوات تصعيدية
وتأتي تصريحات المسؤول الفرنسي قبل يومين من بدء محاكمة المتهمين في هجوم شارلي إبدو الذي وقع في يناير 2015 . وقد أكد أن “مكافحة الإرهاب المتطرف مازالت أولوية قصوى للحكومة”، مشيرا بالقول:” إننا سنشن قتالا لا هوادة فيه ولن نتخلى أبدا عن تعقب أعداء الجمهورية “.
ويرى الباحث في العلوم السياسية بجامعة “باريس إست” رامي التلغّ في حديث لـ”سكاي نيوز عربية” أن وزير الداخلية الفرنسي “يشير ضمنيا إلى تنامي انتشار مجموعات الإسلام السياسي بشقيه الإخواني والسلفي في الأحياء الفرنسية، خاصة تلك التي تضم قطاعات واسعة من الجالية العربية والمسلمة”.
ويضيف:” أعتقد أن التقرير الذي أصدره مجلس الشيوخ الفرنسي بداية يوليو الماضي، قد وضع يده على الجرح بعد الكشف عن أن مؤيدي الإسلام السياسي يسعون إلى السيطرة على الإسلام في فرنسا من أجل مشروعهم التمكيني، ويغذون في بعض المدن نزعة انفصالية خطيرة. وقد كان التقرير واضحاً في اتجاه إدانة الحركات الإسلامية المتشددة التي تدعي أنها غير عنيفة ولا سيما السلفية منها والإخوان. وأعتقد أن ذلك قد دفع الحكومة الفرنسية نحو اتخاذ خطوات تصعيدية في مواجهة هذا التيار”.
وتشهد فرنسا خلال المدة الأخيرة موجة رسمية وشعبية مناهضة للإسلام السياسي. فقد دأبت الصحف الفرنسية خلال الآونة الأخيرة على نشر تحقيقات تتعلق بمخاطر ما أسمته “الانفصالية الإسلامية” و”تغلغل جماعات الإسلام السياسي، الإخوانية والسلفية في النسيج الاجتماعي وفي مراكز السلطة المحلية”.
وكان رئيس الوزراء الفرنسي، جان كاستيكس قد أعلن في منتصف يوليو الماضي، عن وجود مشروع لإصدار قانون ضد “الحركات الانفصالية” لمنع “مجموعات معيّنة من الانغلاق ضمن مظاهر عرقية أو دينية”. وقال كاستيكس إن “العلمانية هي من القيم الأساسية للجمهورية، ورأس حربة الاندماج المجتمعي. لا يمكن لأي ديانة، أو تيار فكري أو مجموعة معيّنة الاستيلاء على المساحات العامة والنيل من قوانين الجمهورية”.
من جانبه، هاجم وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين، في مقابلة نُشرت في 24 يوليو بجريدة لوفيغارو، ما سماه بالإسلام السياسي، معتبرا أن الشبكات الإخوانية لا تقل خطورة عن الشبكات السلفية المتطرفة.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أعلن في فبراير الماضي عن توجّهه لتحسين الرقابة على خطب المساجد التي قد لا تتوافق أحيانا مع قيم الجمهورية، والتوقف عن استقبال أئمة ترسلهم وتموّلهم دول أجنبية، معلنا في المقابل عن توجّه لزيادة الأئمة الذين نشأوا في فرنسا.
ويأتي ذلك بعد شهر من فتح السلطات المحلية تحقيقاً في شبهة “خيانة مؤتمن” تتعلق بتمويل المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية، وهو مؤسسة غير حكومية للتعليم العالي، قريبة من جماعة الإخوان، تقوم بتدريب الأئمة على وجه الخصوص.
تحدي الإفراج عن الإرهابيين
وخلال كلمته في مقر المديرية العامة للأمن الداخلي، طرح وزير الداخلية الفرنسي ملف الإفراجات المرتقبة عن عدد من الذين تعلقت بهم تهم إرهابية وشارفت محكومياتهم على الانتهاء. مقدرا عددهم بـ 505 سجينا إرهابيا إسلاميا مرتبطين بجماعات إسلامية، إضافة إلى 702 معتقلاً متهمين بالتطرف، مشيراً إلى أن هذا الملف يعتبر “التحدي الأمني الكبير”. وكشف الوزير عن أنه سيتم خلال هذا العام “تقييم توقعات الإفراج عن 45 معتقلاً بسبب ارتباطهم بأعمال إرهابية”.
كما دعا جيرالد دارمانين إلى توخي اليقظة بشأن “أشكال التهديد الأخرى” المنبثقة “عن الجماعات المتطرفة أو الأفراد المعزولين الذين يلجؤون للعنف”.
وأشار في هذا الصدد إلى إلقاء القبض في مايو الماضي في مدينة ليموج، جنوب غرب فرنسا، على “متعصب” أراد مهاجمة أماكن عبادة يهودية.
وأضاف الوزير:” إن التهديد الذي يمثله أفراد من أتباع التطرف أصبح يمثل تحديا متزايدا لأجهزة المخابرات التي تضمن الآن متابعة 8132 فردا مسجلين عندها، الأمر الذي زيادة حجم الموارد المخصصة للمديرية العامة للإرهاب، والتي ستشهد زيادة في عدد موظفيها بـ “1260 عنصراً على مدى الخمس سنوات القادمة”.
ويعتقد رامي التلغ أن التحديات الأمنية التي تواجهها فرنسا ليست مرتبطة فقط بالتهديدات الداخلية، بل أيضاً بوجود العشرات من الفرنسيين الذين يقاتلون في صفوف الجماعات الإرهابية في الخارج، والذين يمكن أن تشكل عودتهم كابوسا أمنيا بالنسبة للأجهزة الاستخباراتية المحلية، وعدد منهم معتقل لدى السلطات العراقية والسلطة المحلية الكردية شمال سوريا، وأعتقد أن هذا الملف سيكون ضمن ما سيناقشه الرئيس ماكرون مع المسؤولين العراقيين في زيارته المرتقبة.”