واتفقت الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي، مع حزبي المعارضة الرئيسيين، الاتحاد المسيحي الديمقراطي والاتحاد المسيحي الاجتماعي، على إنشاء صندوق للجيش بقيمة 100 مليار يورو، الذي من شأنه أن يتيح تحقيق هدف “الناتو”، المتمثل بإنفاق كل دولة عضوة 2 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، وهو ما يقدر اليوم بحوالي 70 مليار يورو بالنسبة لألمانيا.

ويأتي المضي قدما في تلك الخطوة التاريخية بألمانيا، بعد أسابيع من إعلان المستشار الألماني أولاف شولتز، أمام نواب البوندستاغ، إنشاء الصندوق الخاص الذي يستهدف تعزيز المنظومة الدفاعية للقوات المسلحة، وتحديدا في 27 فبراير الماضي، أي بعد 3 أيام فقط من بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

وقال شولتز حينها: “من الواضح أننا بحاجة إلى زيادة الاستثمار بشكل كبير في أمن بلدنا؛ من أجل ضمان حريتنا وديمقراطيتنا”.

ويعتقد محللون وخبراء عسكريون، أن الحرب في أوكرانيا دفعت أكبر قوة اقتصادية في أوروبا إلى إحداث تغيير ملحوظ في سياستها الدفاعية، من بين سلسلة من التحولات الأمنية في أوروبا، ضمن اعتزامها لتعود كقوة عسكرية هائلة، خلافا للسياسة التي ظلت برلين تتبعها منذ نهاية الحرب الباردة بتقليص قدرات الجيش، بواقع 500 ألف جندي عام 1990 إلى 200 ألف في الوقت الراهن.

وأشارت تقارير ألمانية إلى تراجع القدرات العسكرية للجيش الألماني بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة، إذ أن أقل من 30 بالمئة من السفن الحربية تعمل بكامل طاقتها، بينما العديد من الطائرات المقاتلة غير صالحة للطيران.

انتقادات للوضع الراهن

واعتبر مدير شؤون الاتحاد الأوروبي بمجموعة الأزمات الدولية، جوزيبي فاما، أن “قرار الحكومة الألمانية يأتي خلافا للسياسة القائمة منذ عقود بعدم زيادة الميزانية الدفاعية والتردد المستمر في استخدام القوة العسكرية، حتى أن الجيش طاله الكثير من الانتقادات نتيجة الحالة التي أصبح عليها بتراجع قدراته وعدد القوات العاملة فيه”.

وأشار فاما في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، إلى أنه “رغم أن برلين واحدة من أبرز الدول الأوروبية على صعيد الصناعات العسكرية، فإنها تعتمد بشكل كبير على وجود القوات الأميركية على أراضيها”.

ويتمركز نحو 34 ألف جندي أميركي في الأراضي الألمانية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كضمانة أمنية وحلقة وصل سياسية أساسية بين البلدين.

زيادة الإنفاق العسكري

وشدد فاما على أن قرار الحكومة الألمانية “يدفع إلى زيادة الميزانية العسكرية إلى ما يزيد عن 2 بالمئة، وفق الاتفاق بين دول الناتو للوصول إلى تلك النسبة بحلول عام 2024، وبالتالي المساعدة في إعادة تجهيز الجيش بشكل أكبر، وتطوير الأسلحة”.

واتفق في ذلك الباحث المتخصص في السياسات الدفاعية، محمد حسن، الذي قال إن ألمانيا التي تعد القوة الأولى في منطقة اليورو، قررت مع مجموعة من دول المنطقة، على رأسها الدنمارك والسويد وبلجيكا وفرنسا وإيطاليا، زيادة نفقاتها الدفاعية إلى ما لا يقل عن 2 بالمئة من إجمالي ناتجها المحلي.

وأوضح حسن أن “تلك الخطوة التي جرى التوافق عليها في قمة بروكسيل في مارس الماضي، تعد سابقة في تاريخ الكتلة الأوروبية التي اعتمدت سياسات تهدف إلى تقليص النفقات الدفاعية بشكل تدريجي، وإبقائها تحت حاجز الـ2 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي”.

وأشار إلى أن “العملية العسكرية الروسية بأوكرانيا، أيقظت الهواجس الأمنية للدول الأوروبية، التي استفاقت في الغالب على أوضاع سيئة لقواتها المسلحة تعوق تنفيذها لبعض المهام خارج الحدود، ولهذا تم التركيز على مفهوم التصرف بشكل مستقل للدول الأوروبية فيما يخص استجابتها الدفاعية”.

قرار استثنائي.. وتحديث للقدرات

وينظر الباحث في السياسات الدفاعية إلى قرار الحكومة الألمانية على أنه “استثنائي”، لأنه “قفز خارج حيز الـ2 بالمئة المخصصة للنفقات الدفاعية بحوالي 30 مليار يورو، ليقدم الكثير لمجمع الصناعات الدفاعية الألمانية، فالسلاح الألماني ذو سمعة جيدة في العالم، وتحديدا أسلحة البحرية من فرقاطات وغواصات، مما يجعل الاستثمارات الألمانية في تحديث الجيش تؤخذ بعين الاعتبار”.

وأضاف: “امتلاك ألمانيا لقدرة التصرف بشكل مستقل من خلال أسلحة نوعية، يعتبر أمرا فارقا في البيئة الأمنية الأوروبية ككل، وذلك بالنظر إلى سياقات التحفظ الألماني طوال 6 عقود، على الانخراط عسكريا في مهام بالخارج”.

وأوضح حسن أن “سلاح الجو الألماني سيستحوذ على نصيب الأسد من حزمة الـ100 مليار يورو، حيث يعاني من أوضاع مزرية، ففي عام 2018 كان لدى سلاح الجو 4 مقاتلات طراز (يوروفايتر) جاهزة لتنفيذ المهام، من إجمالي أسطول مكون من 128 مقاتلة من نفس الطراز”.

وطبقا للتقارير، فإن سلاح الجو الألماني في طريقه للاستحواذ على 40 مليار يورو، وسيشمل ذلك شراء 35 مقاتلة شبحية من طراز “إف 35″، و15 مقاتلة “يورو تايفون”، وضخ استثمارات في مشروع المقاتلة المشتركة مع فرنسا، علاوة على تحديث أسطول الطيران المسير والنقل التكتيكي من المروحيات الثقيلة، وإخراج مقاتلات “تورنادو” من الخدمة.

واختتم باحث السياسات الدفاعية حديثه، قائلا: “ألمانيا تمتلك القدرة على إحداث الفارق، خاصة إذا نظرنا إلى جدية التوجه الجديد في تحديث القوات المسلحة، والرغبة في امتلاك واحد من أقوى جيوش أوروبا وأكثرها قدرة وتسليحا”.

skynewsarabia.com