لكنّ مسؤولين بالاتحاد عبّروا عن صعوبة الموقف في الحصول على كميات كافية من تلك اللقاحات، لعدة أسباب مختلفة، من بينها ما يرتبط بهيمنة “النزعة القومية” ومنح الأولوية للدول الغنية، على حد تعبير رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد في تصريحات سابقة له.

هذا في الوقت الذي سبق وأن وصف الاتحاد جهوده في إطار مسألة توفير اللقاحات بـ “الكفاح” في دلالة على الصعوبات التي تواجهه في ذلك الأمر. وهو الأمر الذي عبرت عنه صراحة خلال أعمال الجلسة الافتتاحية الأخيرة للمجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي، رئيسة المجلس ناليدي باندو (وزيرة العلاقات الدولية والتعاون في جمهورية جنوب أفريقيا)، والتي قالت إن دول القارة “تكافح للحصول على حصتها العادلة”.

عجز اللقاحات

نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الإفريقية، السفير صلاح حليمة، يقول في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية” من القاهرة، إن “أهمية اللقاحات في القارة مرتبطة أيضاً بالنظام الصحي في كثير من الدول التي لا تستطيع مجابهة التحديات التي يفرضها فيروس كورونا، والتي ليس لديها الكوادر ولا الأجهزة  والأدوات الخاصة بمواجهة تفشي الفيروس، وبالتالي فإن توفير تلك اللقاحات في غاية الأهمية، ومطلوب بشكل عاجل بالنسبة لأفريقيا”.

ولفت إلى أن “ما تم توفيره من لقاحات، طبقاً للأرقام التي أعلن عنها الاتحاد الأفريقي، بالمقارنة بتعداد سكان القارة الأفريقية البالغين مليار و200 مليون نسمة تقريباً، يظل ضئيلاً جداً، وبخاصة في ظل العجز الذي تواجهه بعض دول القارة في الأمور كافة المرتبطة بمواجهة الفيروس، بما يؤثر على استراتيجيات تلك الدول ووضع الفيروس وتفشيه فيها”.

وأوضح السفير حليمة أن “ما تم توفيره من لقاحات جاء من خلال بعض الدول الغربية، وما تم تخصيصه خلال قمة العشرين لدعم الدول الأكثر احتياجاً في مواجهة فيروس كورونا ومن أجل توفير اللقاحات”، مشدداً على أن “موقف بعض الدول الأوربية يتسم بالجدية في هذا الصدد بالفعل، من أجل تخفيف حدة الأزمة التي تواجهها أفريقيا، ومن المؤكد أنه سيكون هناك تحرك أفريقي واسع في ظل رئاسة الكونغو الديمقراطية، لا سيما أن اللقاحات كانت القاسم المشترك في خطابات القادة الأفارقة خلال القمة الـ 34”.

ويعتبر ملف توفير اللقاحات، ووفاء الاتحاد بتعهداته بتوفير ملايين الجرعات، هو الشغل الشاغل للاتحاد على المدى القريب جداً في مستهل الدورة الجديدة، لجهة أهمية ذلك الملف وارتباطه بواحدة من أصعب الأزمات التي تواجه العالم بشكل عام، وتواجه القارة السمراء بشكل خاص، في ظل التحديات الأخرى التي تواجهها أفريقيا المرتبطة بضعف الإمكانات وشح الموارد بالنسبة لكثير من دول القارة.

طوابير الانتظار

وعن تلك الصعوبات يقول المحلل السياسي المغربي، إدريس الكنبوري، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن “فيروس كورونا وضع العلاقة بين القارة السمراء والبلدان الغنية الأوروبية أمام اختبار صعب، بحيث إن شعوب القارة ستكون في ذيل القائمة في طوابير الانتظار لدورها في الاستفادة من اللقاحات”، على حد قوله.

ويلفت إلى أن “حكومات القارة الأفريقية مضطرة اليوم إلى مواجهة مصيرها بشكل معزول عن علاقاتها مع البلدان الغربية، وعليها أن تنهض بتقرير مصيرها على المستوى الصحي.. ومن هنا يمكن قراءة المبادرة التي طرحتها حكومة جنوب إفريقيا بتوفير اللقاحات؛ كون جنوب أفريقيا تسعى اليوم لتكون قطب القارة السمراء”.

لكن المحلل السياسي المغربي، شدد في السياق ذاته على أن “ما حدث بالنسبة للأمن الصحي يحدث منذ عقود بالنسبة للأمن الغذائي مثلا؛ لأن ما حدث مع الفيروس كشف للجميع عن أن الاعتماد على قوة أجنبية لتوفير الغذاء أو السلاح أو محاربة الإرهاب لم يعد مفيداً، في مرحلة تتجه فيها الدول الغنية أكثر فأكثر نحو خدمة مصالحها الخاصة”.

ملايين الجرعات

وكان الاتحاد الأفريقي، في منتصف شهر يناير الماضي، قد أعلن عن نجاحه في الحصول على التزام بتوريد 270 مليون جرعة من لقاحات فيروس كورونا، وذلك من ثلاثة موردين رئيسيين (فايزر واسترازنكا وجونسون أند جونسون)، وتعهد رئيس الاتحاد السابق (رئيس جمهورية جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا) باستخدام تلك الجرعات في العام الجاري.

وفي نهاية الشهر نفسه، أعلن مدير المراكز الإفريقية للوقاية من الأمراض جون إنكينجاسونج، في مؤتمر صحافي، عن تعهد الاتحاد بتوفير 400 مليون جرعة إضافية من اللقاح. واعتبر أن توفير تلك الكمية إلى جانب الـ 270 مليون جرعة السابق الإعلان عنهم، يعني “بداية إحراز تقدم طيب في إطار مواجهة كورونا”.

وطبقاً لمسودة خطة أعدها في وقت سابق البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد، فإن دول القارة سوف تنفق ما بين 3 إلى 10 دولارات لكل جرعة لقاح لفيروس كورونا سبق واتفق الاتحاد الأفريقي على توريدها لدول القارة.

دبلوماسية الاتحاد

لكنّ في المقابل، فإن خبير العلاقات الدولية طارق البرديسي، يعتقد بأن الاتحاد الأفريقي قادر من خلال دبلوماسيته على توفير اللقاحات، وتحقيق إنجازات في ذلك الملف الصحي والإنساني، قائلاً: “أتصور أن الاتحاد يستطيع فعل ذلك، لا سيما أن المسألة غير سياسية، والمسائل السياسية عادة ما تكون بها بعض الصعوبات، بخلاف المسائل الصحية والتعليمية والثقافية وحتى التنموية، سواء على صعيد منظمة الأمم المتحدة أو المنظمات الإقليمية”.

وأوضح في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية” من القاهرة، أنه “بالنسبة للقاحات كورونا يمكن تضافر الجهود للبحث عن موارد ذاتية ومنح خارجية، وأن تنشط دبلوماسية الاتحاد الأفريقي في ذلك الصدد بشكل أكبر، بما يمكنها من التصدي لتلك الجائحة بالتعاون مع الدول الأخرى”.

وشدد البرديسي على أن الفرص سانحة وكبيرة في هذا الإطار أمام الاتحاد،  وأن يتعاون بشكل أكبر مع منظمة الصحة العالمية، ولا سيما أن رئيس المنظمة أفريقي، وكذا التعاون مع بنوك ومؤسسات تمويلية ومؤسسات مانحة وأيضاً مع الاتحاد الأوربي واليابان والصين، وجهات مختلفة تستطيع مساعدة الأفارقة من خلال الاتحاد كمنظمة إقليمية مهمة”.

عدد الإصابات

ويقترب عدد الإصابات المؤكدة في القارة الأفريقية بفيروس كورونا، من 3.6 ملايين حالة، طبقاً لبيانات مركز علوم النظم بجامعة (جونز هوبكنز) بالولايات المتحدة، وذلك في 55 دولة أفريقية. وبلغ عدد الوفيات أكثر من 92 ألف حالة.

 ووفق البيانات التي أعلن عنها في وقت سابق قبل أيام مدير المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها جون نكينجاسونج، فإن معدلات الوفاة بسبب الفيروس في القارة السمراء أعلى من المعدلات العالمية بنسبة 2.2 بالمئة.

skynewsarabia.com