واعتبر محللون تصريحات ومطالب الرئيس الأوكراني بالتفاوض، عكس ما كان في بداية العملية العسكرية الروسية الشهر الماضي، نقطة تحول، نتيجة عدة أسباب أهمها سقوط الميناء.
وفجر السبت الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الأوكرانية سيطرة القوات الروسية بشكل كامل على ميناء مدينة ماريوبول الرئيسي على بحر آزوف، وقالت: “نجح المحتلون جزئيًا في منطقة عمليات دونيتسك وحرموا أوكرانيا من الوصول إلى البحر”.
إعلان جاء بعد أيام من المعارك الضارية في المدينة، التي توصف بالجوهرة في العملية الروسية، حيث ستتمكن موسكو من إدخال أسلحتها لقواتها في أوكرانيا، وربما تجعل سفنها الحربية تتمركز في الميناء، لتدفع بميزان القوى في صالحها أكثر وحسم العملية العسكرية سريعًا، وهو ما أدركه الرئيس الأوكراني.
سقط الميناء
بحر “أزوف”، بمجرد النظر إلى موقعه على الخريطة، يمكن فهم السبب وراء إصرار روسيا على السيطرة على الأراضي المحيطة به، فهو متفرع من البحر الأسود في جزئه الشمالي، ويتصل به عن طريق مضيق كيرتش.
ويطل بحر “آزوف” على الشواطئ الأوكرانية من شماله، وعلى روسيا من جهة الشرق، وشبه جزيرة القرم التي تسيطر عليها موسكو منذ عام 2014، من الغرب.
من جانبه، قال سولونوف بلافريف، الباحث الروسي في تاريخ العلاقات الدولية: “بالسيطرة على الميناء الرئيسي، بدأ العد التنازلي لانتهاء العملية العسكرية في أوكرانيا، حيث أصبحت أرض المعركة الآن منعزلة عن البحر الذي كان يمثل منفذا مهما لأوكرانيا”.
وأوضح الباحث الروسي في تاريخ العلاقات الدولية، في تصريحه لـ”سكاي نيوز عربية”، أن بحر آزوف له أهمية اقتصادية خاصة بسبب وجود سفن محملة بالقمح داخل هذا البحر، مما قد يلقي بظلاله على إمدادات الغذاء العالمية، مشيرا إلى رسالة تمت بالفعل من البحرية الروسية منذ أيام تؤكد أن أكثر من 40 سفينة تنتظر دخول آزوف، مما أثر على أسعار القمح العالمية.
وفي تصريحات سابقة، ذكر الأستاذ المساعد بالعلاقات الدولية بجامعة لوباتشيفسكي الروسية، عمرو الديب، أن أهمية ماريوبول تكمن في 3 نقاط: “الأولى أن أراضي هذه المدينة هي الطريق البري الموصل من روسيا وشرق أوكرانيا مع شبه جزيرة القرم، وبالسيطرة عليها سيتم عزل أوكرانيا بحريًا”.
وأبرز الأستاذ المساعد بالعلاقات الدولية في جامعة لوباتشيفسكي، خلال حديثه لـ”سكاي نيوز عربية”، أن “النقطة الثانية أن هذه المدينة هي الميناء الأهم والأكبر من حيث القدرة على بحر أزوف، والسيطرة عليه من قبل قوات روسية وقوات شرق أوكرانيا ستعني قدرة اقتصادية قوية لجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك خصوصًا في مجال تصدير الفحم والمعادن”.
وتابع قائلا: “النقطة الثالثة والأخيرة تتمثل في حرمان أوكرانيا من هذا الميناء والذي يعني تقويضا واضحا لقدرات أوكرانيا الاقتصادية”.
زيلينسكي يطالب بالتفاوض
في سياق التطورات، دعا الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قبل الإعلان عن سقوط الميناء بساعات، إلى محادثات سلام وأمن هادفة “دون تأخير” مع موسكو؛ وقال في خطاب فيديو: “حان وقت اللقاء، حان وقت الحديث، حان الوقت لاستعادة وحدة الأراضي والعدالة لأوكرانيا”.
وهنا أوضح سولونوف بلافريف، أن زيلينسكي يعلم جيدًا أن “بخسارة ماريوبول هي النهاية”، وتوقع بأن تكون المحادثات مرنة من الجانب الأوكراني الذي كان يتعنت ويتملص خلال محادثات الأيام الماضية، حسب تعبيره.
من جانبه، قال فلاديمير ميدينسكي، رئيس الوفد الروسي في المفاوضات مع الجانب الأوكراني ومساعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، إنّ “موقفي موسكو وكييف اقتربا قدر الإمكان بشأن موضوع الوضع المحايد لأوكرانيا”.
وأضاف ميدينسكي أنّ “موضوع الوضع المحايد وعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو هو إحدى النقاط الرئيسة للمحادثات، وهذه هي النقطة التي جعلت الأطراف تقرّب مواقفها أقرب ما يمكن”.
وأكد أنّ “هذه النقاط لها فوارق دقيقة، تتعلق بالضمانات الأمنية لأوكرانيا”، بالإضافة إلى الضمانات القائمة في حالة رفض الانضمام إلى كتلة “الناتو”.
وعقدت الجولة الرابعة من المحادثات بين روسيا وأوكرانيا، الثلاثاء الماضي، بالتزامن مع مواصلة العملية العسكرية.