ومن بين هؤلاء الشبان شاب يدعى ولائي، وهو يعمل كحمال للأدوات المنزلية حوالي 10 ساعات في اليوم، ليحصل على قُرابة 20 دولار في اليوم، يُرسل نصفه إلى عائلته في مدينة سنندج الإيرانية، حيث أن أباه وثلاثة من أخواته شبه عاطلين عن العمل.
منذ 10 أعوام نال ولائي شهادة من المعهد المتوسط الصناعي في العاصمة طهران، ولم يتمكن من الحصول على فرصة عمل مناسبة، وهو مهاجر مُقيم في العراق منذ ذلك الوقت، يعمل في المهن العضلية وبمدخول متواضع تماما.
ويقول في حديث مع “سكاي نيوز عربية”: “ليس لي أية مشكلة سياسية أو أمنية مع سلطات البلاد، وهذه القضايا لا تشغلني قط، كل ما أتطلع إليه هو العيش بطريقة كريمة، وهو أمرٌ يبدو مستحيلا في إيران منذ 10 سنوات على الأقل”.
وأكد مغردون على وسائل التواصل الاجتماعي، بأنه لا فوارق سياسية وإيديولوجية بين مختلف المُرشحين هؤلاء، وأن بعض التفاصيل في المشاريع والتطلعات الاقتصادية يُمكن أن تسمح للناخبين الإيرانيين بالمفاضلة فيما بينهم.
وتشكل المسألة الاقتصادية أهم شواغل المواطنين الإيرانيين، خصوصا وأن الأرقام والمؤشرات التي تنشرها المؤسسات الاقتصادية الدولية، وحتى الداخلية، حول الاقتصاد الإيراني تقول بأنه يعيش أصعب 5 سنوات من تاريخه الحديث، منذ ثورة عام 1979 وحتى الآن، بما في ذلك فترة الحرب الإيرانية العراقية، وذلك بسبب العقوبات الاقتصادية والأزمات السياسية التي شهدتها البلاد خلال هذه الفترة.
التقرير الاقتصادي التفصيلي الأخير الذي أصدره البنك الدولي حول إيران قال: “انكمش الاقتصاد الإيراني بالفعل بنسبة 12 بالمئة خلال العامين الماضيين، كما ازدادت الضغوط التضخمية أيضا في 2020/2021، حيث انخفضت قيمة الريال الإيراني نتيجة نقص المعروض من العملات الأجنبية وزيادة ضبابية الأوضاع الاقتصادية.
وارتفع التضخم إلى أكثر من 48 بالمئة (مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي) في فبراير 2021. ومنذ أبريل 2020، فقدت العملة الوطنية ما يوازي نصف قيمتها في ظل العقوبات الأميركية التي تحظر استخدام احتياطيات النقد الأجنبي الإيرانية المجمدة في الخارج”.
وعود براقة لكن غير واقعية
وتحت ظلال المطالب الشعبية تلك، عرض المرشحون للرئاسة الإيرانية وعودا اقتصادية كُبرى للقواعد الاجتماعية الإيرانية، في حال فوزهم في الانتخابات، لكنها افتقدت للموضوعية وإمكانية التحقق، حسب المراقبين الإيرانيين الذين تابعوا أو ندوة انتخابية مُشتركة بين المُرشحين السبعة، وذلك لفقدان الميزانية العامة الإيرانية للموارد الكافية لتغطية تلك الوعود، في ظلال غياب خطط تنموية ترفع من مستويات تلك الواردات.
إذ قال المُرشح محسن رضائي بأنه سيرفع من معونات الدعم النقدي للأسر الإيرانية بمقدار عشرة أضعاف، دون أن يتعرض لكمية الكُتلة المالية التي تتطلب فعل ذلك، أو الطرائق التي سوف تحصل من خلالها الخزينة العام على الموارد الكافية لتغطية ذلك.
أما المُرشح أمير حسين هاشمي، فقال إنه سيمنح كل عائلة إيرانية جديدة 5 مليارات ريال (5 آلاف دولار) في حال انتخابه رئيسا، دون أن يذكر بدوره الطريقة التي سوف يُغطي بها المصاريف العامة.
هذه الوعود الفضفاضة عزاها المراقبون إلى طبيعة الحملات الانتخابية الإيرانية، قصيرة الأمد والمليئة بالخطابات، تلك الظروف التي لا تسمح للناخبين الإيرانيين التأكد من مصداقيتها، أو محاسبتها تاليا أثناء سنوات الحُكم، لغياب الحريات الإعلامية والسياسية والتنظيمية.
الأرقام المباشرة لأوضاع الاقتصاد الإيراني تقول بأن ثنائية العقوبات ووباء كورونا ضاعف الضغوط على الحياة العامة للسكان، الذين واجهوا مُعد تضخم قارب الـ50 بالمئة خلال العام الماضي فحسب.
وهو وضع لم يكن للإيرانيين مواجهته عبر التظاهر والنزول إلى الشارع، فالتظاهرات التي جرت في خريف عام 2019 في مختلف مُدن إيران كردة فعل على رفع الحكومة لأسعار مادة البنزين بنسبة 100 بالمئة، ووقع 300 ضحية على أيادي أجهزة الأمن والشرطة حسب تقرير منظمة العفو الدولية، شكلت رُهاباً للمُجتمع الإيراني، ودفعاً له لحصر المطالبات الاقتصادية بحيزها الاقتصادي، وعدم الخلط بينها وبين الحياة السياسية في البلاد، رغم التداخل الموضوعي بين الأمرين.
المُرشح الوحيد المحسوب على التيار الإصلاحي، عبد الناصر همتي، ركز في حملته الانتخابية المُضادة للمرشح المحافظ – شبه الفائز- إبراهيم رئيسي على المسألة الاقتصادية، قائلاً بأن الوعود الاقتصادية للمحافظين عبر التعهد بتقديم مساعدات مالية مباشرة وضخمة للمواطنين أمر غير قابل للتحقق قط. وذلك لأن المحافظين، حسب همتي، يعملون على تقويض علاقات إيران الدولية ومنعها من الاستفادة من الاتفاق النووي. وهو أمر لم يجب عنه رئيسي أثناء الندوة الحوارية بينهما، مركزاً على القضايا الاقتصادية المُتفق عليها، مثل خطورة التضخم.
مؤسسة فريدريش أيبرت البحثية الألمانية كانت قد أجرت لقاء مع الكاتب والباحث الاقتصادي الإيراني محمد هاشمي، قال فيها: “ترغب الطبقة الوسطى من الساخطين في رؤية التغيير والتحسين في مختلف المجالات، لا سيما في الاقتصاد. لكن المشكلة الرئيسية هنا هي عدم وجود مرشح قوي وجذاب. وإذا لم تصوت الطبقة الوسطى هذه، فإن السياسي المتشدد أو المحافظ سيصبح رئيساً، تمامًا كما حدث في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.. لقد كانت هناك غطرسة جريئة وحاقدة في الطريقة التي رفض بها مجلس صيانة الدستور ترشيحات لاريجاني أو الإصلاحي المعروف تاج زاده. إنهم يحاولون إمالة الملعب لإفساح الطريق لخليفة خامنئي الظاهر وزميله إبراهيم رئيسي للفوز في الانتخابات”.