حيث أتفق الحلف على تقديم المزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا، التي انتقدت مرارا ما اعتبرته تقصيرا من الناتو في نصرتها، مؤكدا تعزيز الجناح الشرقي للحلف في مواجهة الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا، ومحذرا موسكو من مغبة استخدام الأسلحة الكيماوية.
وتعليقا على مخرجات القمة الأطلسية المنعقدة بعد مرور شهر على بدء الحرب الروسية الأوكرانية، يقول عامر السبايلة، الباحث والخبير الاستراتيجي، في حوار مع سكاي نيوز عربية :”صحيح أنها التزمت عموما بالمنهج السابق المتعمد في التعاطي مع الأزمة الأوكرانية، لكن ما خرجت به هذه القمة كشف عن استعداد أكبر لضرورة اعادة ترتيب ملفات الناتو داخليا وتعزيز التعاون والتشاركية فيه لمواجهة الأخطار المحدقة بدول الحلف، وهذا بحد ذاته تحول لافت حيث لا ننسى أن الناتو كان يعاني من خلاف بين الأعضاء على الأولويات وتباين الآراء، إلى أن تفجرت هذه الأزمة ووظفتها واشنطن لتوحيد صف الحلف مجددا، وجعل مسألة أمن أوروبا المحور الأول، وبالتالي التصدي للأخطار المحدقة به وخاصة من قبل روسيا”.
وبالتالي لم يطرأ جديد يذكر على طبيعة المواقف الأطلسية من الأزمة بأوكرانيا، وفق السبايلة، مضيفا :” ليس هناك مثلا إعلان عن تدخل عسكري أو زيادة الانخراط العسكري المباشر في الأزمة، لكن ثمة إشارة بوضوح إلى أن أي اعتداء روسي على سنتميتر واحد من أراضي دول الناتو سينجم عنه رد عسكري مباشر ومواجهة شاملة”.
ويضيف الخبير الاستراتيجي : “أهم قضية بالنسبة للحلف عبر هذه القمة، كانت هي إعادة بناء نفسه وتنظيم صفوفه وإعادة الاعتبار للرواية الأطلسية، وبما يسمح له بالوقوف بصورة أكثر قوة وتناغما في مواجهة روسيا، لكن على صعيد الموقف العسكري تحديدا هناك مضي بدعم كييف عبر إمدادها بشحنات السلاح والعتاد، لكن لا يوجد أي تحول لافت في هذا الإطار، وبعد شهر من بدء الحرب وطول أمدها، يبدو أن الناتو راض عن طريقة تعاطيه معها ويراها مفيدة عبر تجنبه التورط المباشر والدخول في الحرب المفتوحة مع روسيا، ولكنها تضمن له عملية استمرار استنزاف روسيا واضعافها”.
أما لانا بدفان، الباحثة في العلاقات الدولية والأوروبية في مدرسة الاقتصاد العليا في موسكو، فتقول في لقاء مع سكاي نيوز عربية :”لم نشهد أي تغييرات جديرة بالملاحظة في المواقف الغربية والأطلسية عبر قمم بروكسل الثلاث، التي أسميت بالطارئة، لكن تم فرض حزم جديدة من العقوبات المالية والاقتصادية على روسيا”.
على الصعيد العسكري، تضيف بدفان :”الناتو جدد عدم تدخله في النزاع بأوكرانيا، مع تأكيد التزامه بحماية دول أوروبا الشرقية المنضوية تحت لواءه والاتفاق على نشر وحدات قتالية أطلسية في تلك الدول، وتقديم المساعدات العسكرية لكيبف، وهو ما خيب مرة أخرى آمال القيادة الأوكرانية التي طالبت الناتو بالتدخل وبفرض منطقة حظر جوي فوق أوكرانيا، وهو ما رفضه الحلف مجددا في سياق تجنبه للحرب مع روسيا، وحرصه على منع تمدد الصراع لخارج أوكرانيا”.
من جانبه، يقول رائد العزاوي، رئيس مركز الأمصار للدراسات الاستراتيجية، في حوار مع سكاي نيوز عربية :”لم تأت القمة بجديد فكما كان متوقعا، لا تدخل عسكري من الناتو في الصراع، مع التعهد بزيادة الدعم العسكري لكييف وتوسيع الانتشار العسكري للحلف في الدول المحيطة بمنطقة الصراع، وهي بلغاريا ورومانيا وهنغاريا وسلوفاكيا، وتدعيم القوات الأوكرانية بكم كبير من الأسلحة والمعدات العسكرية، علاوة على تشديد الضغط على صانع القرار بالكرملين عبر زيادة العقوبات وتغليظها”.
ويضيف العزاوي :”هناك عمل دؤوب من قبل الغرب والناتو لإبعاد شبح الأزمة الاقتصادية جراء الحرب الأوكرانية والعقوبات على روسيا، عن دوله وحلفاءه، عبر محاولة تقليل الاعتماد على الغاز والبترول الروسيين ومجمل الصادرات الروسية ولا سيما الزراعية كالقمح، والبحث عن بدائل أخرى، وهذا هو السبب في عقد قمة الدول السبع الصناعية الكبرى في ذات الوقت، لايجاد حلول للأزمات الاقتصادية بسبب هذه الحرب”.
ويتابع العزاوي، وهو أيضا أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأميركية في القاهرة :”فالحسابات والاعتبارات العسكرية لحلف الناتو مختلفة عن رغبات الآخرين، خاصة من يعتقدون أن تدخل الحلف عسكريا هو طوق نجاة أوكرانيا، وهذا غير منطقي وغير صحيح بل على العكس سيأزم الوضع أكثر، حيث ما زال اللاعب الأساسي في هذه الأزمة وهو روسيا، يعمل على مواجهة الضغوط والعقوبات بقوة إذ أعلنت موسكو اعتماد الروبل بدل الدولار في التعاطي التجاري مع الخارج في خطوة استباقية مهمة أمام احتمالية فرض المزيد من العقوبات الغربية، وفي المقابل الحل العسكري يبدو صعبا وبعيد المنال، ولهذا فقد نشهد قريبا وساطات عبر القنوات الدبلوماسية خلال الأيام القليلة القادمة لانهاء هذه الأزمة سياسيا”.