وكان وزير الداخلية جيرالد دارمان، قد تحدث عن خطة كسر التأثير في أعقاب اجتماع مجلس الدفاع الوطني في 30 أكتوبر الماضي، والتي تنفذها أجهزة المخابرات الفرنسية بجميع مستوياتها، وتستهدف منع تأثير الدعاية الخارجية تجاه المسلمين المعتدلين الذين أصبحوا مهددين بالانزلاق نحو التطرف بعد الحملة القوية التي شنتها تركيا ضد فرنسا.
وبدأت الحكومة الفرنسية في أعقاب حادثة ذبح المدرس صامويل باتي، في إجراءات حلّ العديد من الجمعيات الإسلامية التي اتهمتها بالتطرف، وكلها جمعيات ذات ولاء أو تمويل أجنبي.
وفي هذا السياق، قررت الحكومة الفرنسية، الأربعاء الماضي، حلّ حركة الذئاب الرمادية التركية القومية، على خلفية ترويجها للكراهية وارتكاب أعمال عنف على التراب الفرنسي. كما تم حلّ جمعية “تجمع الشيخ ياسين” المقرب من جماعة الإخوان الإرهابية وجمعية “بركة سيتي” السلفية.
تدريب الأئمة
ويعتبر حكيم القروي، الباحث في معهد مونتني، والمقرب من الرئيس إيمانويل ماكرون، أن ملف إنهاء السيطرة الخارجية على المسلمين من خلال تدريب الأئمة في الخارج والتمويل الخارجي، هو أهم مفصل من مفاصل القانون الجديد الذي طرحته الحكومة الفرنسية تحت مسمى “مناهضة النزعات الانفصالية”.
ويذهب القروي، إلى تسمية الأئمة العاملين في فرنسا والتابعين وظيفيا للدول الإسلامية بظاهرة “الإسلام القنصلي”. مشيراً إلى وجود “نحو 151 إماماً مبتعثاً من طرف الدولة التركية اليوم في فرنسا و65 بالمئة من الأئمة في البلاد يتلقون رواتب من تركيا، وهذا أحد أبرز أشكال التدخل الخارجي، فيما يوجد 120 إماماً مبتعثين من الجزائر و30 من المغرب.”
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قد أعلن في فبراير الماضي عن توجه إدارته نحو سن قانون جديد لمواجهة من سماهم بأعداء الجمهورية.
وأشار إلى أن الهدف منه تحسين الرقابة على خطب المساجد التي قد لا تتوافق أحيانا مع قيم الجمهورية، والتوقف عن استقبال أئمة ترسلهم وتموّلهم دول أجنبية، معلنا في المقابل عن توجه لزيادة الأئمة الذين نشأوا في فرنسا.
وكان الرئيس ماكرون قد أعلن في بداية أكتوبر الماضي عن إنشاء ما أسماه بـ”المعهد العلمي لعلوم الإسلام” لتدريب علماء الإسلام وباحثين متخصصين في دراسة الإسلام والمعرفة الإسلامية الدينية.
من جانبه، يرى عز الدين قاسي، عميد مسجد فيلوربان بمدينة ليون (جنوب شرق) أن الإيمان بأن تدريب الأئمة هو مفتاح كل المشاكل، ليس صائباً تماماً، حيث يوجد اليوم في فرنسا حوالي 2500 مكان عبادة للمسلمين ونحو 2000 إمام عدد كبير من هؤلاء الأئمة لم يتلقوا أي تدريب ديني جامعي. لذلك فهم غير قادرين على إنتاج الفكر الديني بما يتماشى مع السياق والواقع الفرنسي. وبالمثل ، لا يمكنهم تقديم بدائل للقراءات الحرفية التي غالبًا ما تهيمن على العلاقة بالنصوص التأسيسية للإسلام. هذا هو السبب في أن مثل هؤلاء الناس سيظلون عاجزين عن محاربة التطرف.”
فيما يذهب الباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية في فرنسا، هادي يحمد، في حديث مع “سكاي نيوز عربية” إلى أن مشروع ما يسمى “فرنسة الائمة” اَي جعلهم أئمة ينهلون من المراجع والثقافة الفرنسية، مشروع محدود الإمكانيات والأفق”
ويفصل يحمد أسباب ذلك بالقول:” إن هؤلاء الأئمة وغيرهم ينهلون مراجعهم ويستمدون شرعيتهم أمام جمهورهم من العواصم والمدارس الإسلامية في العالم الإسلامي، فكيف يمكن أن تقنعهم هؤلاء بالانقطاع عن منابعهم الإسلامية سواء كانت سلفية أو توصم بالاعتدال. أعتقد انه مشروع محدود الأفق ولا مستقبل له طالما بقيت المنابع المدرسية الإسلامية محكومة بالرؤية التقليدية والتأويلات المختلفة للنصوص الدينية وهذا واقع الحال اليوم” .
معاهد إخوانية
ويمكن لجماعة الإخوان الإرهابية أن تكون أكبر المستفيدين بطريقة غير مباشرة من مقترح الحكومة الفرنسية بمنع استجلاب أئمة مساجد من خارج البلاد، لأنها تملك سلسلة معاهد لتدريب الأئمة في فرنسا وفي الدول الأوروبية المجاورة.
وأهم هذه المراكز، المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية، وهو مؤسسة غير حكومية للتعليم العالي تقوم بتدريب الأئمة على وجه الخصوص، بدأ نشاطه في العام 2001 مستفيداً من الاعتراف الأكاديمي الصادر عن جامعة كريتاي، ويستقبل سنويا نحو 2000 طالب، وفقا لأرقام نشرها موقعه الإلكتروني. ويتركز نشاطه في تدريب أئمة المساجد وتعليم اللغة العربية، وفقا مناهج تعليمية قريبة من أدبيات جماعة الإخوان.
ويترأس المعهد أحمد جاب الله، الرئيس السابق لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، الفرع الفرنسي لجماعة الإخوان، والعضو السابق في حركة النهضة التونسية. كما أن هذه المؤسسة هي جزء من سلسلة معاهد مماثلة منتشرة في أوروبا.
وكانت السلطات القضائية الفرنسية قد فتحت في يونيو الماضي تحقيقاً في شبهة “خيانة مؤتمن” تتعلق بتمويل المعهد من الخارج.
وكان المعهد قد أغلق أبوابه في نهاية شهر نوفمبر 2019، بقرار من محافظ مدينة سان دوني، لدواعي تتعلق بسلامة المباني ومخاطرها على الأشخاص.
وتأسس أول معهد إخواني في العام 1992، في مدينة سان ليجر دو فوجريت، وسط فرنسا، وهو المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية شاتو شينون، بهدف تدريب الأئمة على الأرض الفرنسية، وفقا لمناهج قريبة من تيار الإسلام السياسي.
يشار إلى أن الصحفيين الفرنسيين، كريستيان شيزنوت وجورج مالبرونو، قد كشفا في كتاب لهما صدر العام الماضي تحت عنوان “أوراق قطرية” عن تقرير صادر من المخابرات الفرنسية يتحدث عن إيقاف قيادي إخواني، من أصل تونسي، بصدد تهريب أموال نقدية لفائدة معهد شاتو شينون.