وتتركز الهواجس حاليًا على تفنيد مدى حجم قدرة الدول، فرادى ومجموعات، في مجال احتواء تداعيات الحرب النووية إذا ما أصبحت “شرًا لا بد منه” بين روسيا والغرب، وخصوصًا بعدما كانت التقديرات والتحليلات قد روّجت، خلال السنوات الماضية، لفكرة مؤداها أن العالم بأكمله بات على وشك الدخول في معركة “الهرمجدون” الحاسمة.
أصول التسمية
المعروف أن مصطلح “هرمجدون” مشتق من اللغة الإغريقية (Ἁρμαγεδών) ويرمز، بحسب الإنجيل المقدس، إلى تدمير كوكب الأرض بالنار، قبل قيام الساعة، بحرب نووية فاصلة.
ويتوقف المتابعون لمسار العلاقات الأميركية – الروسية، حديثًا، عند النقاط التالية:
- إعلان الرئيس الروسي (الراحل) بوريس يلتسين، أثناء إلقاء خطاب استقالته المتلفز ليلة رأس السنة (1999-2000) أن فلاديمير بوتين سيكون “خليفته المختار” للولوج بروسيا إلى الألفية الثالثة.
- تركيز وسائل الإعلام الغربية، قبل حلول موعد لحظة الانعطاف التاريخية بين القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين، على الترويج لما سُمي (حينذاك) بـ”فايروس عام 2000″ الذي يمكن أن يُصيب أجهزة الكمبيوتر في العالم ويعطّل أنظمة التحكّم بالأقمار الإصطناعية، وحركة القطارات، والإشارات الضوئية في الشوارع، وتجهيزات غرف العناية الفائقة في المستشفيات.
- إفصاح الرئيس الأميركي (السابق) جورج دبليو بوش للرئيس الفرنسي (الراحل) جاك شيراك، عام 2003، بأنه قرر غزو العراق من أجل محاربة “باجوج وماجوج” هناك، تحضيرًا لمعركة “هرمجدون” الحاسمة.
- تلويح الرئيس الأميركي جو بايدن، في وقت سابق من شهر أكتوبر الجاري، بأن تهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا يوصف بالأخطر منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، وتحذيره من أن ذلك ينذر بـ”نهاية العالم”.
المواقف الروسية
يذكر أن الجانب الروسي لا يزال يدحض المزاعم الغربية حول إمكانية لجوء موسكو إلى استخدام الخيار النووي لحسم صراعها مع واشنطن وحلفائها الأوروبيين حول مسار الأزمة الأوكرانية المتواصلة منذ 24 فبراير الماضي.
ومن أبرز ما جاء في سياق ردود الأفعال حول هذا الموضوع المواقف التالية:
- إعلان أكثر من مسؤول رسمي روسي عن أن الولايات المتحدة “تُبالغ” في الترويج لخطر إقدام موسكو على اللجوء إلى خياراتها النووية.
- تصريح وزير الخارجية الأوكراني ديميتري كوليبا، يوم الاثنين، بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية سوف ترسل خبراءها إلى كييف، عقب بيان روسيا بشأن تصنيع الجانب الأوكراني لـ”قنبلة قذرة”.
- المخاوف الرائجة في الأوساط الروسية حول احتمال ضلوع الأوكرانيين في “عملية انتحارية” تؤدي إلى جرّ الدول الكبرى صوب التوجّه نحو الخيار النووي.
احتواء المخاطر
يُشار إلى أن هواجس الخوف من اندلاع الحرب النووية بين الجانبين الأميركي والروسي باتت تتنقل فوق سطح الكرة الأرضية، بدءًا من البرازيل التي يبلغ عدد سكانها 217 مليون نسمة، مرورًا بدول أميركا اللاتينية، ومن ثم بالدول الآسيوية والأوروبية والأفريقية والشرق أوسطية.
وبحسب مقال كتبه الصحفي أركادي بيتروف في جريدة “ذي ريو تايمز” البرازيلية، يوم الأحد، فإن الرئيس الأميركي جو بايدن، وبينما كان يواصل “استفزازه من خلال صب الزيت على النار” في الأزمة الأوكرانية، تحدّث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مرة أخرى، عن الأسلحة النووية في مواجهة حرب شاملة من جانب الغرب ضد بلاده.
ووفقًا للكاتب بيتروف، فإن ما ينبغي التوقف عنده يتمثل في التالي:
- يحذّر العديد من المتخصصين من أن كوكبنا أقرب إلى “هرمجدون” أكثر من أي وقت مضى منذ أزمة الصواريخ الكوبية في ستينيات القرن العشرين.
- المواجهة النووية أمر غير مرجح، ولكن إذا حدثت، فقد يؤدي ذلك إلى كارثة غير مسبوقة، اعتمادًا على نوع وتكرار الأسلحة المستخدمة.
- حتى البرازيل، البعيدة عن أوروبا والولايات المتحدة، ستعاني من العواقب.
ماذا عن الدول الأخرى؟
بحسب استبيان سريع للرأي أجراه موقع “سكاي نيوز عربية” مع عدد من الخبراء والمتخصصين في الشؤون العسكرية، أفضت النتيجة إلى الخلاصة التالية:
- استبعاد فرضية قيام روسيا باستخدام السلاح النووي كـ”خيار استراتيجي” إلّا في حال قيام الولايات المتحدة باستخدامه.
- عدم توفّر الأجواء الملائمة للدول الأوروبية من أجل الدخول في مثل هذا الخيار بسبب تداعيات أزمة الغاز التي تعاني منها جرّاء نقص الإمدادات من مصادر الطاقة الروسية.
- قيام العديد من الدول الأوروبية والأفريقية والعربية بـ”التضامن” مع الموقف الروسي حيال تداعيات الأزمة الأوكرانية الراهنة، بما يصب في غير مصلحة السياسات الأميركية المنتهَجة في العالم.
خلاصة القول
يتوقف الخبراء والمحللون هنا عند بديهية المعنى والمغزى الكامنة في فحوى ما جاء على لسان الرئيس فلاديمير بوتين، لدى انتخابه للمرة الأولى في مارس 2000، عندما قال: “إن روسيا الاتحادية دولة ما زالت تمتلك الكثير من عناصر القوة، وهي ترغب في استخدامها مع الآخرين، وليس ضدهم، من أجل بناء عالم متعدد الأقطاب”.
ويرى الخبراء والمحللون أن الإدارات الأميركية المتعاقبة على البيت الأبيض، بدءًا من زمان بيل كلينتون، مرورًا بجورج دبليو بوش وباراك أوباما ودونالد ترامب، وانتهاءً بزمان الرئيس الحالي جو بايدن، لم تأخذ النصائح الروسية على محمل الجد.