لكن هذا السيناريو في المقابل، يراه كثيرون تهديدا بتحويل الحياة السياسية والعامة في إيران لحالة من الاستقطاب الحاد، بين السلطة الحاكمة من جهة والقوى السياسية المعارضة بمختلف أنواعها من جهة أخرى، والقواعد الاجتماعية الأوسع في البلاد من جهة ثالثة.

وكانت المؤسسة الإعلامية الرسمية في إيران قد أعلنت صباح السبت فوز رئيسي بنسبة 62 بالمائة من الأصوات، متفوقا بأكثر من 5 أضعاف على أقرب منافسيه المرشح محسن رضائي، الذي أرسل مع غيره من المرشحين التهاني لرئيسي.

لكن التعليقات الأولية من الإيرانيين وخبراء الشأن الإيراني شككت بنيل هذا الفوز لشرعية كاملة، وذلك لغياب أي منافسة حقيقية من المرشحين الذين لم ينالوا نفس الفرص في الحضور وعرض البرامج والوصول إلى الجمهور، كذلك لأن المنافسين الحقيقيين المفترضين لرئيسي قد تم استبعادهم مسبقا من مؤسسة مجلس صيانة الدستور، وأبرزهم الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد ورئيس برلمان الأسبق علي لاريجاني، مما يعد بمثابة منح كرسي الرئاسة لرئيسي عبر التزكية.

وكانت استطلاعات الرأي والمشاهدات لعملية الانتخاب قد لاحظت شبه مقاطعة شعبية للانتخابات، حيث قالت بعض التقديرات الأكثر مبالغة إن نسبة التصويت لم تصل حدود 20 بالمائة من مجموع من يحق لهم التصويت، وتاليا فإن الرئيس الجديد سيكون قد نال منصبه وسلطاته الدستوري بحوالي 10 بالمائة من مجموع الشعب الإيراني.

3 قوى سياسية وشعبية إيرانية ستكون في “خندق واحد” موضوعيا في مواجهة هذا المشهد الإيراني، المتأتي من سيطرة التيار المحافظ المتطرف المحيط بالمرشد الأعلى بشكل مطلق وبشرعية سياسية ناقصة على عموم السُلطات والمؤسسات الحاكمة في البلاد.

فالتيار الإصلاحي في إيران، الذي كان يعترف بشرعية النظام الحاكم لكنه كان يطالب بإحداث بعض التغيرات في بنية وأداء وشكل المؤسسات وبعض الحريات العامة والاجتماعية، صار راهنا خارج المشهد السياسي تماما، وتاليا خارج العالم الاقتصادي والاجتماعي والإعلامي الذي كان يحاول منذ سنوات تأسيسه، لموازنة التيار المقابل من السلطة، المتمثل بالمحافظين المتطرفين.

كذلك فإن القوى السياسية الإيرانية المعارضة جذريا للنظام، مثل منظمات مجاهدي خلق والقوى الملكية “الشاهنشاية” وأحزاب الأقليات القومية الكردية والعربية والبلوشية والأذرية، صارت لا ترى أي إمكانية لإحداث تغيير في الأحوال السياسية للبلاد عبر التغيرات الذاتية التي قد تطرأ على بنية النخبة والقوى الحاكمة، عبر الاعتماد على صراع الإصلاحيين والمحافظين.

وفوق الجهتين، فأن القواعد الاجتماعية الإيرانية الأوسع، بالذات من الشباب والنساء والطبقات الأكثر يسرا وتعليما من الإيرانيين، تجد نفسها وتطلعاتها في مواجهة سلطة لا تملك أي ميول للاهتمام بالأحوال الداخلية للبلاد، بل ستسعى لأن تحول إيران إلى مجرد كيان سياسي يملك مشاريع سياسية وأمنية وعسكرية تدخلية في دول العالم.

هذه الطبقات التي لو نزلت للشارع عبر تظاهرات معارضة للنظام، فإنها متأكدة من أن طبيعة الرئيس الجديد وتشكيلة السلطة ستندفع نحو قمعهم بوحشية استثنائية، متفوقة على ما واجهت به “الثورة الخضراء” التي حدثت عام 2009، عقب انتخاب شبيه ومشكك به للرئيس الأسبق أحمدي نجاد.

الباحث والكاتب الإيراني رضا حق غلامي المقيم في ألمانيا والمختص بالشؤون الداخلية الإيراني، شرح في اتصال مع موقع “سكاي نيوز عربية” تركيبة السلطة الإيراني الداخلية راهنا، مشددا على أن مرحلة تولي مرشد جديد لخلافة المرشد علي خامنئي قد جهزت تماما.

وقال: “ثمة اليوم داخل النواة الصلبة للنخبة الحاكمة أشخاص متنازعون بشكل فردي فيما بينهم على المنصب الأعلى للبلاد، ليس بينهم أي فروق سياسية أو أيديولوجية أو حتى ثقافية، مندفعون لمزاحمة شخصية كبيرة فيما بينهم لحجز مكانة في هرم السلطة الذي سيتكون خلال الفترة القريبة المنظورة، بدأ من موقع المرشد الأعلى وحتى تشكيلة الحكومة، مرورا بمواقع من قادة الحرس الثورة وأرفع المناصب الأمنية والقضائية والتشريعية في البلاد”.

ويضيف غلامي: “فعليا هناك 3 جهات تتنافس على تلك المناصب في البلاد، هم نجل المرشد الحالي مجتبي خامنئي المستفيد من قربه من والده وإدارته لمجموعة من السلطات غير الرسمية، لكن الفاعلة في البلاد. الجهة الأخرى هي شخص الرئيس المنتخب حديثا إبراهيم رئيسي، وطموحاته لخلافة خامنئي وإعادة تأسيس السلطة من جديد بحث يكون هو قائدها. أما الجهة الثالثة فهي كبار قادة الجيش، وعلى رأسهم قادة الحرس الثوري وفيلق القدس الذي يعتبر أكثر قوى الجيش قدرة ونفوذا”.

لكن وفقا للمتحدث، فإن “هذه الجهات الثلاث ستتزاحم فيما بينها، تاركة العلاقة بين السلطة والشعب من دون أي توازن معقول، كان موجودا حتى قبل سنوات قليلة”.

skynewsarabia.com