ويرى مراقبون أن موسكو تهدف من إبقاء المصنع على حاله دون اقتحام أو قصف له، لتفادي تبعات ذلك لجهة العدد الكبير من القتلى الذي يتوقع سقوطهم من الجانبين خلال عملية الاقتحام، علاوة على الإبقاء على ورقة مصنع آزوفستال بيد موسكو للمساومة عليها لانتزاع تنازلات من كييف في ملفات ومناطق أخرى.
وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، قد أوعز لقواته بعدم اقتحام آخر معقل أوكراني متبق في مدينة ماريوبول المحاصرة وإغلاقها “بحيث لا تمر حتى ذبابة من خلالها”، وذلك بعد أن أبلغه وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، الخميس، بسيطرة القوات الروسية على مدينة ماريوبول الأوكرانية.
وعلّل بوتن إلغاء اقتحام آزوفستال بالحفاظ على أرواح الجنود الروس، قائلا: “في مثل هذه الحال خاصة، وكما الحال دائما يجب أن نحرص أكثر من أي وقت آخر على الحفاظ على حياة وصحة جنودنا وضباطنا، ليست هناك حاجة للنزول إلى السراديب والزحف تحت أرض هذه المنشآت الصناعية”.
ويعود تاريخ بناء مصنع آزوفستال المطوق للعام 1930 وهو بمثابة قلعة خرسانية بالغة الضخامة تمتد على مساحة قرابة 12 كلم على طول الواجهة البحرية لمدينة ماريوبول، ويضم عددا كبيرا من المباني المقاومة للنووي والانفجارات ومسارات السكك الحديدية والأقبية والأنفاق تحت الأرض.
وثمة ميناء شحن خاص به، ومنظومة مركبة ومتداخلة من المرافق الجوفية، منها طابق سفلي ضخم وشبكة أنفاق تربط بين مختلف أجزاء المصنع، فضلا عن ملجأ يمتد على عمق 10 أمتار تحت الأرض.
ويجعل كل ذلك، من آزوفستال حصنا منيعا يمكن للقوات الأوكرانية المحاصرة فيه أن تقاوم حصار القوات الروسية لها لمدة زمنية طويلة نسبيا.
ويقدر تعداد المجموعة الأوكرانية المحاصرة داخله ومنهم عناصر تابعة للقوات النظامية الأوكرانية وكتيبة “آزوف” القومية ومرتزقة أجانب، وفقا لبيانات وزارة الدفاع الروسية بما بين 1500 و2000 مسلح .
وتعليقا على ذلك، يقول مسلم شعيتو، الخبير في الشؤون الروسية، في حوار مع سكاي نيوز عربية :”مع إسدال الستار على معركة ماريوبول باستثناء المصنع المحاصر الذي هو مجرد تفصيل ومسألة استسلام من بداخله هي تحصيل حاصل، ستستمر المرحلة الثانية من هذه الحرب نحو تحرير كافة مناطق دونباس في جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، ومن ثم سيتم الانتقال نحو المرحلة الثالثة لتحقيق الأهداف السياسية من العملية، وهي اجتثاث النازيين الجدد من الجيش والسلطة الأوكرانيين، وضمان عدم انضمام كييف لحلف الناتو وضمان حياديتها بين روسيا والناتو، كما تطالب بذلك موسكو”.
ويتابع الخبير في الشؤون الروسية: “الانتهاء من معركة ماريوبول يعطي ولا ريب القوات الروسية والقوات الحليفة لها في دونيتسك ولوغانسك، دفعة معنوية قوية نحو إنجاز كامل مهمتها في أوكرانيا، علاوة على أن ماريوبول تفتح المجال أمام طريق بري يصل روسيا بدونيتسك، وصولا إلى شبه جزيرة القرم وهذا يوفر الفرصة لسيطرة روسيا الناجزة والنهائية على بحر آزوف، الذي يتمتع بأهمية تجارية وعسكرية قصوى”.
فماريوبول لكونها ثاني مدينة بعد العاصمة في جمهورية دونيتسك، كما يشرح شعيتو، متابعا: “ولهذا فتحريرها يحمل جملة معانٍ استراتيجية وسياسية بالغة الأهمية بالنسبة لروسيا، إضافة إلى أن ماريوبول هي مدينة روسية الهوى، حيث أيد أكثر من 80 في المئة من سكانها انضمامها لروسيا في العام 2014”.
بدوره يقول عامر السبايلة، الخبير الاستراتيجي والزميل غير المقيم في مركز ستيسمون الأميركي للأبحاث، في حوار مع سكاي نيوز عربية: “قد تكون السيطرة على ماريوبول هي أهم حدث بالنسبة لروسيا خلال هذه الحرب التي طالت أكثر مما يفترض، نظرا لعدم التكافؤ العسكري بين موسكو وكييف، وبالتالي عبر هذه الخطوة تكون روسيا قد حققت هدف عزل أوكرانيا عن البحر الأسود والسيطرة على معظم المنافذ، وربط شبه جزيرة القرم بماريوبول والتموضع تاليا للسيطرة على إقليم دونباس ككل، ولهذا فالسيطرة على ماريوبول هي واحدة من أهم الأهداف بالنسبة لروسيا على الصعيد العملياتي في أوكرانيا”.
ويضيف السبايلة: “روسيا ستعمل طبعا على تسويق سيطرتها على المدينة بأنها إنجاز كبير بالغ الأهمية، وللقول إن طول أمد الحرب لم يكن تعبيرا عن التعثر أو التلكؤ الروسي في الميدان الأوكراني، وإن موسكو ها هي بدأت تحصد ثمار حربها وهذا ما تحرص على تأكيده قبل يوم 9 مايو القادم الخاص بانتصارها في الحرب العالمية الثانية، وبالتالي فهذا يقودنا لاستنتاج أن روسيا بحاجة للتسويق المكثف لسيطرتها على ماريوبول وتضخيم دلالاته، تعويضا عن طول أمد الحرب حيث نحن على مشارف شهرها الثالث”.
وكانت تعد ماريوبول مركزا لمجموعات أوكرانية مسلحة بعيدا عن الجيش، تطلق على نفسها اسم كتيبة آزوف نسبة إلى بحر آزوف الذي تقع عليه ماريوبول، وتضم هذه الكتيبة متطرفين يمينيين بينهم نازيون جدد، حسب تصريحات وزارة الدفاع الروسية.
وفي شهر أبريل من عام 2014، أصبحت المدينة جزءا من جمهورية دونيتسك الانفصالية المعلنة من طرف واحد، قبل أن تستعيدها كييف في شهر يونيو من ذلك العام، نتيجة عملية هجومية خاضتها قوات الجيش الأوكراني وأفراد كتيبة آزوف، المشكلة من القوميين الأوكرانيين.
ومنذ ذلك الوقت، باتت ماريوبول مركزا عسكريا وسياسيا حيويا للسلطات الأوكرانية على خط تماس النزاع المسلح في دونباس شرقي أوكرانيا.