وأثارت تلك الزيارة، والتصريحات التي خرجت عنها، الكثير من ردود الفعل بشأن سعي أنقرة لـ”تصفير مشاكلها” الإقليمية، بعد سنوات من تصاعد التوتر مع جيرانها الإقليميين، في الوقت الذي يعتقد 3 محللين في شأن العلاقات التركية، في حديثهم لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن أنقرة تسعى لتعزيز نفوذها في الإقليم خاصة مع القوى الرئيسية، وتحقيق مصالح سياسية واقتصادية تخفف الضغوط الداخلية.
ماذا ناقش أردوغان في اليونان؟
- بعد يوم من الدبلوماسية المكثفة، وقعت تركيا واليونان أكثر من 12 اتفاق تعاون في التجارة والطاقة والتعليم، بجانب الإعلان عن خريطة طريق لمشاورات مستقبلية رفيعة المستوى تهدف إلى تجنب الأزمات.
- أكد أردوغان أن لأنقرة الإرادة لحل جميع النزاعات العالقة مع اليونان، مشيرًا إلى رغبته في تحويل “بحر إيجه إلى بحر سلام وتعاون”.
- بدوره، أقرّ رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس بأن العلاقات الثنائية كانت “مهددة بشكل خطير” في الماضي لكنها أصبحت على “مسار أكثر هدوءًا”، مضيفًا: “أشعر بواجب تاريخي لاستغلال الفرصة للتقريب بين البلدين كما حدودنا المتجاورة”، كما أعلن عن زيارته لأنقرة في الربيع.
- ووفق صحيفة “واشنطن بوست”، أدت الخلافات طويلة الأمد بين أثينا وأنقرة على مدى 50 عامًا الماضية، إلى حافة الحرب 3 مرات، حيث تقوم تلك الخلافات على الحدود البحرية وحقوق التنقيب عن الموارد في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط.
تسوية الخلافات
وبدت تركيا أكثر انفتاحًا على تسوية خلافاتها الإقليمية، حيث سعت إلى إنهاء التوترات في علاقاتها مع مصر، وجرى رفع مستوى العلاقات مرة أخرى بين البلدين، مع لقاءات مباشرة بين أردوغان والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل شملت تقوية العلاقات مع الدول الخليجية وعلى رأسها دولة الإمارات، والسعودية، حيث جاءت جولته في يوليو الماضي، لتؤكد على طي صفحة الخلافات، بعد سنوات من التوتر بسبب تناقضات حيال عدد من القضايا الخلافية، على رأسها الموقف التركي من جماعة الإخوان، وكذلك مسألة التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط.
مردود إيجابي
من جانبه، قال المحلل السياسي التركي وعضو حزب العدالة والتنمية، يوسف كاتب أوغلو، في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن زيارة أردوغان لليونان “نتج عنها عودة العلاقات والروح الإيجابية بين البلدين، مع طرح كافة القضايا العالقة ومناقشتها بشكل شفاف”.
وأكد أوغلو أن الإدارة التركية تركز على فتح قنوات الحوار لحل المشاكل العالقة، خاصة مع تأكيد أردوغان على عدم تكرار أخطاء الماضي، خاصة هذا الانقطاع الطويل في اللقاءات الدبلوماسية والسياسية.
وحدد أوغلو مردود زيارة أردوغان إلى اليونان، في عدد من النقاط، قائلًا:
- تم الاتفاق على ما يسمى “مؤتمر أثينا”، وهو مجلس التعاون عالي المستوى لتوسيع دائرة العلاقات الثنائية في جميع المجالات، بجانب التوقيع على الكثير من الاتفاقيات في مجالات متنوعة مثل الصحة والتكنولوجيا والتعليم والاقتصاد والسياحة.
- من أهم النتائج التي تم الإعلان عنها هو ضرورة رفع التعاون والتبادل التجاري بين الجانبين من 5 إلى 10 مليارات دولار، وهذا هو الهدف المشترك.
- تم التعرض إلى أن المشاكل العالقة خاصة فيما يتعلق بشرق البحر المتوسط وجزيرة قبرص، يجب حلها عبر الحوار المتبادل، مع منح الصلاحية لوزيري خارجية البلدين لحل هذه المشاكل العالقة.
- أرى أن هذه الزيارة “فوّتت الفرصة” على كل من يحاول تأجيج تركيا واليونان وخلق أزمات دبلوماسية وسياسية وربما عسكرية أيضا، وبالتالي تم نزع فتيل هذه الأزمة.
- هذه النقطة تُحسب لأردوغان في استمرار ما يسمى بسياسة “تصفير العداوات” مع الدول المحيطة، سواءً مصر والإمارات والسعودية، والآن مع اليونان، وبالتالي فهي خطوة ايجابية في الطريق الصحيح.
توتر تاريخي
من جانبه، وصف المحلل السياسي التركي جواد غوك في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، العلاقات بين أنقرة وأثينا بأنها يشوبها “توتر دائم وخلافات تاريخية، ومشاكل لا تنتهي”، وتتصاعد عندما تقترب الانتخابات سواءً في تركيا أو اليونان، حيث يكون التصعيد الإعلامي حاضرًا.
وأوضح غوك أن أردوغان استكمل سياساته التي بدأها قبل خوضه الانتخابات الرئاسية الأخيرة لـ”تسوية خلافاته”، فبعد التقارب مع مصر ودول الخليج جاء الدور للقيام بزيارة إلى اليونان، وهذا أمر مهم للغاية وله مردود إيجابي على أنقرة.
وأشار إلى أن هناك دعوات في الداخل التركي لضرورة استعادة العلاقات مع سوريا، مضيفًا: “نتمنى أن تكون هذه الخطوات تكون مقدمة جيدة لتصفير المشاكل مع جميع الجيران بما فيهم اليونان وسوريا”.
5 اعتبارات تركية
من جانبه، يرى الباحث المتخصص في الشؤون التركية، كرم سعيد، في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن هناك توجهًا تركياً لتصفير الخلافات الإقليمية وتحديدا مع دول التماس التي تمثل أولوية استراتيجية لأنقرة، في سياق مجموعة من الاعتبارات، تشمل:
- أولا: التراجع الحاد في الاقتصاد التركي، وحاجة تركيا لمزيد من الاستثمارات الخارجية والتقارب الاقتصادي والتجاري.
- ثانياً: إدراك تركيا أن تعزيز نفوذها في الإقليم لا يمكن أن يتم بعيدا عن التقارب مع القوى الرئيسية في المنطقة.
- ثالثاً: التحركات في شرق المتوسط وعمليات التنقيب عن الطاقة، باتت تستلزم تسوية النزاع مع اليونان في بعض القضايا الخلافية، باعتبار أن اليونان مدعومة من الولايات المتحدة وعدد واسع من القوى الأوروبية.
- رابعًا: تركيا لديها طموح لإتمام العديد من مشروعات الطاقة المتعلقة بنقل الغاز المستكشف في اليونان وقبرص عبر تركيا إلى أوروبا، وبالتالي هذا الأمر يستلزم في جانب واسع منه تسوية القضايا الخلافية، كما تنظر بعين واسعة إلى تعزيز نفوذها في الجيواقتصادي في ظل العديد من الأطروحات المتعلقة بإنشاء ممرات تجارية دولية.
- خامساً: المعارضة التركية سعت بصورة كبيرة خلال السنوات الماضية لتوظيف “ضعف مناعة تركيا” إقليميا ودولياً لتحقيق انتصارات في الداخل التركي.
وقال سعيد إن هذه العوامل الضاغطة داخلياً والأزمات المتعاقبة إقليمياً على مدار السنوات الماضية، دفع تركيا لتعزيز وتطوير علاقاتها مع دول الإقليم وتصفير الجانب الأكبر من القضايا الخلافية، حيث اتجهت لمزيد من التوازن مع كافة القوى الدولية والإقليمية وهذا ظهر في الحفاظ على قدر من التوازن والمصلحة في علاقاتها مع روسيا، واستمرار الخطوط مفتوحة مع إيران، ومحاولة حل القضايا مع الولايات المتحدة، والانفتاح بصورة كبيرة مع القوى العربية.
التوتر مع إسرائيل
وعلق الباحث المتخصص في الشؤون التركية، على موقف العلاقات المتوترة حالياً بين تركيا وإسرائيل، معتبرًا أن علاقاتهما “بها قدر كبير من التوازن والحذر” رغم الانتقادات الأخيرة.
وقال سعيد إن “تركيا تربطها علاقات استراتيجية مع إسرائيل وخاصة ما يتعلق بقطاع الطاقة، ورغم ما جرى فلم لم تقطع العلاقات مع إسرائيل بشكل كامل، كما رفض البرلمان التركي مؤخرا مشروع قانون كان موجه لإعادة ضبط كميات البضائع التي يتم تصديرها من تركيا لإسرائيل”.
وأكد أن “هذا التوتر لن يصل إلى حد القطيعة، فربما تعود العلاقات بين الطرفين بعد انتهاء الحرب، خاصة مع حرص الجانبين على تطويرها”.