وتناولت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية في تقرير لها تجربة إيران مع الوباء، التي بدأت في مطلع فبراير الماضي.
وكان اقتصاد إيران يعاني بالفعل من العقوبات الأميركية، ليأتي الفيروس ويزيد الوضع الاقتصادي والمعيشي للإيرانيين ترديا.
وكان الوباء في إيران مدخلا لتفشي الفيروس في دول المنطقة مثل العراق ولبنان وأفغانستان، وذلك نظرا لأن بؤرة الفيروس كانت مدينة قم الدينية التي تعتبر أيضا مدينة يقبل عليها السياح الشيعة.
وعوضا عن اتخاذ خطوات فعالة، اكتفى المسؤولون الإيرانيون بدعوة مواطنيهم إلى عدم زيارة المدينة.
وفي الوقت ذاته لم تكف الدولة الإيرانية عن دعوة السكان إلى المشاركة في الانتخابات، وفي غضون اسبوعين أصبحت في إيران أكبر حصيلة وفيات خارج الصين.
وفي مايو، قالت السلطات الإيرانية إنها بدأت في السيطرة على الفيروس، وفي الوقت نفسه كان الناتج الإجمالي المحلي قد انخفض بنسبة 15 في المئة.
ودفع هذا التدهور الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إلى إعادة فتح الاقتصاد، وهو ما أدى إلى غرق البلاد في موجة ثانية من الفيروس ابتداءً من يونيو الماضي.
وأصبح المعدل اليومي للإصابات 3 آلاف، وحتى أواخر أغسطس سجلت إيران نحو 370 ألف إصابة، وأكثر من 21 ألف إصابة.
لكن روحاني قال في تصريحات سابقة إن 25 مليون إيراني أصيبوا بالفيروس، بما يزيد كثيرا على الأرقام الرسمية.
لماذا كان التفشي الأولي للفيروس في إيران مدمرا؟
تقول مجلة “فورين بوليسي” إن هناك 6 عوامل وراء الأمر بعضها داخلي والأخر خارجي، وهي على النحو الآتي:
العامل الأول: الإدارة الحكومية السيئة للأزمة، إذ تعرضت لانتقادات شديدة، بسبب بطء استجابتها للوباء وحرمان خبراء الصحة العامة من اتخاذ القرارات المناسبة.
وعلاوة على ذلك، اعتبر مرشد النظام الإيراني، علي خامنئي، بعد أيام من تأكيد وجود إصابات في بلاده الأمر مجرد ” دعاية سلبية” من طرف وسائل إعلام أجنبية، ولم يلتفت إلى معالجة الأخطار الحقيقية التي كانت تحدق بالبلاد.
وفي مستهل تفشي الفيروس، رفض مسؤول كبير في وزارة الصحة الإيرانية فرض حجر صحي على قم، بؤرة الفيروس في إيران، وذلك قبل يوم واحد من إظهار الفحص أنه مصاب بكورونا.
ومنح روحاني في مطلع مارس لجنة وطنية صلاحية إدارة أزمة الفيروس عوضا عن وزارة الصحة، الأمر الذي يظهر “تسييس الأزمة” بحسب المجلة الأميركية.
العامل الثاني: في بداية تفشي الفيروس، اشتكى العاملون في القطاع الصحي من ضغوط حكومية وصلت درجة قمعهم لمنعهم من الإفصاح عن الأرقام الحقيقية للفيروس.
وفي مطلع مارس، ذكرت ممرضة في مستشفى بمدينة كرج غرب طهران: “تلقينا تعليمات بعد كشف أرقام الضحايا والمصابين”
وتتفق هذه الرواية مع تقارير مماثلة نسبت إلى أطباء وصحفيين، وقال مراسل صحفي للجنة حماية الصحفيين إن القضاء وحكومة روحاني أبلغونا بعدم التطرق إلى حصيلة وفيات كورونا”.
وفي الحقيقة، لم يؤد هذا الإجراء إلا إلى تفشي الوباء على نطاق أوسع، كما قوّض الشفافية اللازمة لاحتواء الوباء.
العامل الثالث: كان من المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية في إيران في 21 فبراير، بعد أيام من تأكيد أولى الإصابات في البلاد، ولم تصغ الحكومة إلى نداءات تأجيل الاقتراع،
وكان لها مصلحة في ذلك، فقد تدهورت ثقة الإيرانيين بالحكومة بعد كارثة إسقاط الطائرة الأوكرانية واحتجاجات الوقود، لذلك رأت أن تأجيل الانتخابات يضر بها، وقللت من خطر الفيروس.
العامل الرابع: كان المشهد الإعلامي في إيران يعكس الرواية الرسمية فقط، لذلك غاب دور الصحافة المستقلة، رغم دورها البالغ الأهمية في الأزمات نحو إطلاع الجمهور عما يجري حولها، والذي حاول تأدية دوره تعرض للاعتقال والمضايقة.
وكان خطاب وسائل الإعلام الموالية للحكومة مثل “تسنيم” المرتبطة بالحرس الثوري، يعتبر كورونا “سلاحا أميركيا لردع الإيرانيين عن الانتخابات”.
وسارع كثيرون إلى الاعتماد على شبكات التواصل الاجتماعي التي كانت تعج بوصفات غير صحيحة لمكافحة المرض، وأدى اعتماد بعض هؤلاء على هذه الوصفات إلى موتهم.
العامل الخامس: فاقمت العقوبات الأميركية ضد إيران أزمة البلاد الاقتصادية، وكان على إيران أن تختار بين الحفاظ على الاقتصاد أو الصحة العامة، فاختارت الاقتصاد.
فعلى سبيل المثال استمرت رحلات الطيران إلى الصين، أكبر مستهلك للنفط الإيراني.وتمثل شريانا اقتصاديا للبلاد وعندما رفعت القيود المحلية ضد كورونا اندلعت الموجة الثانية.
وانهارت قيمة الريال الإيراني إلى أسوأ وضع في تاريخه، وخسر ما يقرب من 48 بالمئة من قيمته في عام 2020.
العامل السادس: أدت العقوبات الأميركية إلى منع إيران من الوصول إلى النظام المالي العالمي، وهو ما أدى إلى تقليص قدرة البلاد على شراء المستلزمات الصحية، وعلى الرغم من أن واشنطن أعفتها من العقوبات فيما يتعلق بالاحتياجات الطبية والإنسانية، لكن البنوك تفرط في الالتزام بالعقوبات الأميركية خوفا من التداعيات الخطيرة.