وتتساءل العديد من الأوساط السياسية والعسكرية في البلاد والمنطقة، حول الواقع والمستقبل العسكري للعاصمة كابل، بعدما بدأت موازين القوى بين الطرفين المتصارعين، الجيش الأفغاني وحركة طالبان، تنهار لصالح هذه الأخيرة، وتوقع إمكانية سقوط العاصمة بيد مقاتلي الحركة خلال الشهور القليلة القادمة، فيما يرجح آخرون ألا يحصل ذلك.هذان الرأيان المختلفان تماماً صعدا إلى ذروة النقاش، فمن جهة، سرب مسؤول عسكري أميركي لوسائل الإعلام الدولية قوله إن كابل قد تتعرض لحصار خلال شهر من الآن، ثم ستسقط بيد حركة طالبان خلال ثلاثة أشهر.
في المقابل، أعادت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تأكيدها وثقتها بأن قوات الدفاع والأمن الوطنية الأفغانية (ANDSF) ستتحمل أي هجمات من قبل مسلحي حركة طالبان.
تتألف القوات المسلحة الأفغانية، التي تُسمى حسب الأعراف المحلية بـ”الباشتو” من قرابة 186 ألف مقاتل وضابط، موزعين على نقاط ومعسكرات في مختلف أنحاء البلاد. وتصنف مجلة “كلوبل فايرباور” المختصة بالشؤون العسكرية الجيش الأفغاني في المرتبة 75 من حيث القوة العسكرية في العالم.
تفوق عددي!
عملياً، يُعتبر مقاتلو الجيش الأفغاني ثلاثة أضعاف مقاتلي حركة طالبان، الذين لا تزيد أعداد المقاتلين منهم أكثر من ستين ألف مقاتل. لكن الهزائم الأخيرة التي تعرض لها الجيش الأفغاني تتعلق بحالة التوزيع بين القوتين، حسبما ذكر المحلل العسكري رجائي خِتام في حديث مع “سكاي نيوز عربية”.
وقال ختام “يعاني الجيش الأفغاني من اندثار الطاقة العسكرية، بسبب المساحة الهائلة لأفغانستان ووعورة الجغرافيا داخله. فمن الناحية العملية، يتوزع 186 ألف مقاتل على قرابة 650 ألف كيلومتر مربع هي مساحة أفغانستان، أي أنه ثمة 286 مقاتل فقط لكل ألف كيلومتر مربع من الأراضي، وهذا من أصغر الأرقام على مستوى العالم، وتستفيد منه حركة طالبان من خلال شن هجمات مباغتة على المعسكرات ونقاط الجيش والمدن والبلدات التي تحرسها”.
معركة كابل
وحول إذا ما كان الأمر نفسه سينطبق على العاصمة كابل، يوضح خِتام في حديث مع “سكاي نيوز عربية”، “دون شك سيكون الأمر نسبياً كذلك، لأن القوى المهاجمة من طالبان ستحتاج لجهد عسكري أقل بثلاثة أضعاف من الجيش المدافع عن المدينة”.
وأضاف أن طالبان ستستفيد من وعورة التضاريس حول المدينة، وطبعاً من إمكانية قطع الموارد والإمدادات عن العاصمة. لكن الأهم بالنسبة لمعركة العاصمة هو الهجمات الفردية والانتحارية التي يُمكن لمقاتلي الحركة شنها ما بعد مرحلة الحصار، حيث لن ينفع معها حتى تدخل الطائرات المؤيدة للحكومة.
حرب عصابات
وفقًا لوزارة الخارجية الأميركية، بلغ إجمالي الإنفاق العسكري في أفغانستان منذ شهر أكتوبر من العام 2001 حتى شهر سبتمبر من العام 2019، ما قيمته 778 مليار دولار أميركي، دربت فيه الولايات المُتحدة قرابة ربع مليون جندي أفغاني.
وتقول صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، في تقرير ضمن عددها الأخير، إن الجيش الأفغاني يملك 145 طائرة متعددة الأنواع و21 طائرة هليكوبتر و23000 مركبة من مختلف الأنواع، نصفها على الأقل محصن تماماً ضد الهجمات.
هذه الأسلحة التي يصفها الخبير الأمني الأفغاني رائيفي جقلان في حديث مع “سكاي نيوز عربية” بأنها تنفع وذات فاعلية في مواجهات الدول، مذكراً بأن قرابة خمسين ألفاً من مقاتلي الجيش في العاصمة كابل لا يُمكن أن يصمدوا طويلاً في حرب العصابات، إذا جرت. ويعزو الباحث سيناريو عدم الصمود إلى سببين.
“ففي مدينة قندوز، وما تلاها من مراكز ولايات سقطت، أثبت الجيش الأفغاني بأنه في أضعف حالاته داخل المُدن، أي أقل بكثير من أدائه في حروب الوديان والصحاري والمناطق المفتوحة. والأمر نفسه قد يتكرر داخل مدينة كابل فيما لو حدثت معركتها عما قريب”.
يتابع جقلان حديثه قائلاً إن “الجيش الأفغاني غير عقائدي كما تحاول بعض القوى السياسية الإيحاء بذلك. فالفساد الضارب لكل مؤسسات الدولة الأفغانية، ضارب أولاً في جذر الجيش، حيث إن آلاف الضباط والجنود المتطوعين داخله خلال السنوات الماضية كانوا يعتبرونه مجرد مؤسسة ذات مداخيل ثابتة فقط. ولذلك ينهار الجيش أمام مقاتلي طالبان الذين قاتلون عن عقيدة، فيخوضون حروب الأحياء والأزقة بكل عزيمة”.
ويزيد الخبير الأمني جقلان في حديثه “كذلك من المعروف أن العاصمة كابل هي من أقل مُدن البلاد استحواذاً على العصبيات المحلية، كما في مُدن وحساسيات الشمال، حيث الطاجيك والأوزبك، وهذا عامل آخر للاستسلام السريع للحركة في حال وصولها إلى أبواب العاصمة، أو المقاومة لأسابيع قليلة. وثمة عامل أخير يتعلق بشهوة النهب العام، الذي قد تدفع فقراء المدينة لممارسته خلال الأسابيع الأولى من حصار طالبان للمدينة”.