وزعم باتروشيف، في كلمة له أثناء مراسم تخليد ذكرى ضحايا حصار لينينغراد، الأحد، أن “الأوكرانيين أنفسهم يعلمون أنه لا يوجد تهديد روسي“.
تأتي تلك التصريحات في وقت يعتقد فيه كثير من المحللين بأن “ساعة الصفر” قد حانت لعملية الاقتحام. ونقلت وكالة “رويترز” عن 3 مسؤولين أميركيين قولهم، إن “الحشد العسكري الروسي بالقرب من حدود أوكرانيا اتسع ليشمل إمدادات الدم، إلى جانب مواد طبية أخرى تسمح بعلاج المصابين”، بما يدعم تعليقات أميركية بأن روسيا أصبح لها الآن “بوضوح” القدرات اللازمة للتحرك ضد جارتها.
وبموازاة ذلك، فإن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، كان قد صرح الجمعة، بأن كييف “لا ترى تصعيدا حاليا أكبر مما كان عليه الوضع في السابق، رغم زيادة عدد القوات الروسية عند الحدود مع أوكرانيا”.
وبينما طالب وسائل الإعلام بـ”الكف عن بث الذعر”، ذكر الرئيس الأوكراني في الوقت نفسه أنه لدى اتصاله بالرئيسين الأميركي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون، ذكر أن التهديد الروسي “لا يزال وشيكا ومستمرا”، وأن بلاده منذ عام 2014 “تعلمت كيفية التعايش مع هذه الظروف”.
حبس الأنفاس
وفي ضوء تلك المؤشرات، يحبس الأوروبيون بشكل خاص أنفاسهم انتظارا للسيناريوهات التي تحملها الأيام المقبلة، ما بين “التطمينات” الروسية التي تتضمن نفي تشكيل أي تهديد على كييف، وبين التحذيرات الأميركية من غزو محتمل لأوكرانيا الشهر المقبل.
وتعليقا على ذلك المشهد، يقول المحلل السياسي من موسكو، تيمور دويدار، في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن “الادعاء بأن روسيا على استعداد لغزو أوكرانيا لغرض إبعاد حلف الناتو عن الحدود الروسية وإسقاط كييف، مستبعد إلا في حالة واحدة، وهي أن تحدث معارك (تصعيد) في دونباس (شرقي أوكرانيا) من قبل أوكرانيا وبتحريض من الغرب”.
زوبعة
ويلفت المحلل السياسي إلى أن النظرة الروسية مختلفة تماما إزاء ما وصفه بـ”الزوبعة القادمة بالأساس من الولايات المتحدة وبريطانيا”، والمرتبطة بوجود تصعيد روسي وتحركات عسكرية قرب الحدود مع أوكرانيا بغرض غزوها؛ ذلك أنه “لا توجد على الحدود قوات للغزو، فعدد القوات لا يستطيع أن يشارك في عملية غزو، في حين أن هناك قوات أوكرانية موجودة على حدود المنطقة الانفصالية في دونباس“.
وفيما يشير إلى أن “الشعب الروسي يرفض فكرة أي حراك عسكري ضد أوكرانيا“، فإنه يلفت بموازاة ذلك إلى أن “موسكو قد تتقدم لحماية الشعب في دونباس، إن كانت كييف في وضع تقوده الولايات المتحدة من أجل التوجه العسكري لتحرير المنطقة، التي أعلنت اعتراضها على تغيير نظام الحكم في 2014 وأعلنت الحكم الذاتي“.
ويرد على ما وصفه بـ “ادعاءات الغرب” بخصوص التحركات العسكرية الروسية، بقوله: “روسيا شفافة في تحركاتها الآن. إن كانت موسكو تريد القيام بعملية عسكرية لغزو أوكرانيا لما كان أحد يستطيع رصد تحركاتها. لا يوجد شيء الآن في التحركات الروسية التي تقوم بتدريبات عسكرية، مع الأخذ في الاعتبار أيضا التصعيد الغربي، وزيادة التحركات والمناورات العسكرية بالقرب من الحدود الروسية لسنوات، ولا أعتقد بأن أية دولة تحب أن يكون حلف الناتو إلى جوارها على الحدود“.
ويتوقع المحلل السياسي أن يتم العمل على تفعيل اتفاقية مينسك الموقعة بين رباعية النورماندي (روسيا وأوكرانيا وألمانيا وفرنسا)، مشيرا إلى أن ألمانيا وفرنسا في الأيام الماضية قامتا بحث كييف على تنفيذ بنود الاتفاقية.
ونوه إلى أن أهم تلك البنود، هو البند الخاص بإجبار أوكرانيا على الحوار مع قادة الانفصاليين في دونباس، كما يسمونهم في كييف، والبند الخاص بإقرار قانون للاعتراف بالحكم الذاتي في هذه المنطقة في حدود أوكرانيا، على حد تعبيره.
قلق أوروبي
وعلى النقيض من ذلك، يرى المحلل الإيطالي بموقع “ديكود 39″، ماسيميليانو بوكوليني، أن ما وصفه بـ “الغزو الروسي لأوكرانيا” من المرجح أن يحدث بالفعل في الأسابيع المقبلة، على الرغم من التصريحات الروسية الرسمية.
ويضيف: “الرأي العام والمحللون يعتقدون بأن ذلك الأمر صار وشيكا، وهو ما أكده المبعوث السابق بحكومة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى أوكرانيا، والذي رجح في تصريحات لمجلة فورميكا الإيطالية قبل أيام أن يحدث الاقتحام بالفعل“.
ويتحدث المحلل السياسي الإيطالي، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، عن القلق الأوروبي إزاء أزمة أوكرانيا الحالية، لافتا إلى أنه “قلق اقتصادي في المقام الأول، مرتبط بملف الغاز”، متحدثا عن إيطاليا كنموذج: “إيطاليا على سبيل المثال تستقبل 30 بالمئة من احتياجاتها من الغاز من روسيا، وبالتالي فإن الحرب بين روسيا وأوكرانيا من الممكن أن تربك السوق، وتسهم في ارتفاع الأسعار، بما يشكل ضربة شديدة للاقتصاد الإيطالي“.
كما يتحدث عن التداعيات المحتملة على أوروبا، لأية عقوبات جديدة على موسكو حال اقتحام أوكرانيا، موضحا أن بلاده -بشكل عملي- لا تريد عقوبات جديدة على موسكو؛ ذلك أن كثيرا من الشركات الإيطالية، على سبيل المثال، تعمل في روسيا.
ويستطرد: “حتى أن مجموعة من رجال الأعمال تحدثوا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن عبر الإنترنت، وهو الاجتماع الذي لم يكن رئيس الوزراء الإيطالي يرغب في عقده، ويراه غير مناسب من حيث التوقيت في ظل الأزمة الحالية بين روسيا والناتو”، ملمحا بذلك إلى المصالح الاقتصادية التي تعيق الموقف السياسي الأوروبي تجاه أزمة أوكرانيا.
ويشدد على أنه لمواجهة هذه الضغوطات وحالة القلق، فإن “الاتحاد الأوروبي يبحث عن بدائل أخرى للطاقة بعيدا عن روسيا، من بينها تأمين الولايات المتحدة مزيدا من إمدادات الغاز للاتحاد الأوربي”، ضمن السيناريوهات البديلة.
ويتحدث بوكوليني كذلك عن “انقسامات” تطفو على السطح في الجانب الأوروبي، فيما يتعلق بمعالجة أزمة أوكرانيا، في ضوء القلق من الناحية الاقتصادية، حتى على المستويات الداخلية.
ويقول: “في إيطاليا على سبيل المثال، هناك بعض الأحزاب مثل رابطة الشمال وأحزاب أخرى تدعم روسيا”، مشددا على أن العديد من البلدان “ليست لديها مصلحة في فرض عقوبات جديدة على روسيا، من بينها إيطاليا وألمانيا”.