وكانت النقابة الوطنية للمحامين الإيرانيين، المعروفة اختصارا باسم “سكودا”، عقدت اجتماعا للمجلس الأعلى لإدارتها ليلة الجمعة، وأصدرت بيانا تفصيليا للرد على اللائحة التي أصدرتها السلطة القضائية رافضة إياها بشكل كامل، حيث إن “الاستقلال هو جوهر كلمة القانون وضرورة الحفاظ على الاستقلالية بين النقابة والسلطة القضائية هو أساس ضمان حقوق المواطنين الإيرانيين، وهذه اللائحة تنتهك وتقيد استقلال نقابة المحامين، وكل المؤسسات وأصول العمل المرتبطة بها”.
العشرات من المحامين الإيرانيين شرحوا على وسائل التواصل الاجتماعي مضامين اللوائح الجديدة التي أقرها رئيسي، رئيس الهيئة القضائية الرئيس الإيراني المنتخب حديثا، التي قالوا إنها تلغي استقلال النقابة تماما، وتحدث تغيرات على هيكلية النقابة، وفي بعض البنود منه تنهي إمكانية دفاع المواطنين الإيرانيين عن أنفسهم عبر اللجوء للنقابة.
لكن الأهم في اللوائح الجديدة، كسر حصرية النقابة كمرجعية لجميع الأمور الخاصة بها، بما في ذلك إصدار وتجديد التراخيص للمحامين المبتدئين أو الذين يعاودون العمل في المهنة، كذلك يرفع عن النقابة مهمة التحقيق في المخالفات التي يرتكبها بعض المحامين، ويسحب الحق المطلق للنقابة بإدارة وتشكيل نفسها من مجموع محامي البلاد، وليس من سلطة خارجهم.
بيان المجلس الإداري الأعلى لنقابة المحامين الإيرانيين أشار في تفاصيله إلى “لا دستورية” اللوائح الجديدة التي يحاول رئيسي فرضها، لأنها حسب البيان “تلغي مبدأ أساسيا للعلاقة بين النقابات والسلطات الحكومية منذ 7 عقود، هو الاستقلال والاختصاص، وهو الأمر الذي أقره حتى الدستور الإيراني المطبق راهنا”، حيث إن “المادة 35 منه تنص على أن النقابات المهنية موكلة لأن تدير شؤونها وتشيد هياكلها وتقر قوانينها الداخلية بنفسها، من دون تدخل من المؤسسات الأخرى”.
الناشط المدني والحقوقي الإيراني أزمور سياهي شرح في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية”، أهداف قرار الرئيس المنتخب من وراء إصدار هذه اللائحة الأخيرة لتنظيم عمل نقابة المحامين الإيرانية، قائلا: “في الوقت الفاصل بين مغادرة رئيس للهيئة القضائية العليا في البلاد وتولي آخر، وفي موجة إعادة تشييد السلطة بشكل كلي في البلاد، فإن المؤسسة القضائية تسعى لفرض هذه اللائحة، حتى لا يحدث مزيد من المناقشات والمتابعات للموضوع، الذي قد يمتد إلى غيرها من النقابات المهنية، بالذات النقابات المهنية الاقتصادية التي تُصعّد منذ فترة حملات مقاطعتها وإضرابها عن العمل، رغم ارتباط قياداتها مع السلطة الحاكمة”.
ونقابة المحامين الإيرانيين واحدة من أقدم المؤسسات المدنية النقابية في المنطقة، وكان الباحثون التاريخيون يعتبرونها واحدة من منجزات الثورة الدستورية “المشروطية” الإيرانية 1905-1906.
وبقيت المؤسسات والهياكل القضائية الإيرانية تتراوح بين نمطها التقليدي والنماذج المؤسساتية الحديثة، إلى أن تم تأسيس النقابة الوطنية للمحامين الإيرانيين، عبر قرار من مجلس الأمة الإيرانية عام 1931، في عهد الشاه رضا بهلوي.
لكن نقابة اتحاد المحامين الإيرانيين أخذت الحيز الأكبر من استقلاليتها أثناء سنوات تولي الشخصية السياسية الإيرانية البارزة محمد مصدق لمنصب رئاسة الوزراء في إيران أوائل الخمسينات من القرن المنصرم، بالذات لأن الشاه محمد رضا بهلوي لم يكن يمارس صلاحياته بشكل فعلي، مما سمح للنقابة بالحصول على مزيد الامتيازات والحقوق وإمكانية الإدارة المستقلة لذاتها.
لكن إطاحة بهلوي عام 1979 وتولي الخميني السلطة في البلاد، أحدث مضايقات استثنائية بالنسبة للنقابة، حيث صدر قرار بإغلاقها وسُجن العديد من أعضاء مجلس إدارتها، وألغيت آلاف التراخيص الممنوحة بعمل المحامين في البلاد.
وحينما تمت إعادة افتتاح النقابة بعد سنوات من ذلك، كانت السلطة القضائية تُعين مشرفين على مجلس إدارة النقابة.
وفي أوائل عهد خاتمي عام 1997، أعيدت للنقابة سلطة انتخاب مجلس إدارتها من بين كتلة المنتمين إليها، وإن كان ذلك تحت رقابة وضغوط الأجهزة الأمنية في البلاد، حسبما ذكرت المحامية الإيرانية الحاصلة على جائزة نوبل لحقوق الإنسان شيرين عبادي أكثر من مرة، خلال دفاعها عن الحق في استقلال النقابة.
ويخشى المراقبون للأوضاع الداخلية الإيرانية أن تؤدي المواجهة الحالية بين نقابة المحامين والسلطة القضائية في البلاد إلى إلغاء النقابة تماما، لأن السلطة الحاكمة تعمل منذ سنوات على تشييد جهاز تابع لها يعمل بمثابة “نقابة للمحامين” تحت مسمى “مركز المحامين والخبراء والمستشارين الأسريين للقضاء”، الذي يحدد عددا من الشروط السياسية والعقائدية والسلوكية على المنتمي إليها، على رأسها أن يؤمن بولاية الفقيه وأن يحصل على موافقة من الأجهزة الأمنية، وليس فقط الخصائص المهنية كما تفعل عادة النقابات في مختلف أنحاء العالم.