ويرى المراقبون أن هذه القمة تندرج في سياق محاولات موسكو إحداث توازن مع حلف الناتو وايجاد ند له، عبر العمل على تفعيل وتطوير هذه المنظمة، والسعي حتى مستقبلا لتحويلها لحلف أكبر وأشمل على غرار حلف وارسو، الذي كان يضم دول المنظومة الشيوعية إيان الحرب الباردة وقبل تفكك الكتلة السوفييتية، منوهين في هذا الإطار إلى إشارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، خلال القمة إلى أن الدول الأعضاء ستقوم بتدريبات عسكرية مشتركة قريبا.

وقالوا إن الروس يسعون عبر إيلاء اهتمام أكبر بمنظمة معاهدة الأمن الجماعي، إلى إظهار امتلاكهم أوراقا قوة ومناطق نفوذ وفضاءات حيوية عديدة، في مواجهة المحاولات الأطلسية وقفهم للتمدد نحو تخومهم ومحاصرتهم.

وتعليقا على هذه القمة ودلالات عقدها وما تخللها من رسائل وإشارات، يقول رائد العزاوي، رئيس مركز الأمصار للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية، في حوار مع سكاي نيوز عربية: “الواضح أن هذا الاجتماع لقادة دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي، الهدف الرئيسي منه رسم ووضع سياسات أمنية جديدة مشتركة بين الدول الأعضاء، وهي التي كانت قد وقعت على هذه المعاهدة في العام 1992 في طشقند، وبالتالي فهي تهدف لتطوير تعاونها عسكريا وسياسيا سيما في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، وتوسع حلف الناتو على وقع تقديم كل من السويد وفنلندا طلب الانضمام له، وبما يدفع باتجاه إعادة هيكلة وتفعيل تكتل معاهدة الأمن الجماعي، ورغم أنه أضعف بكثير من حلف وارسو الذي كان يقوده السوفييت، لكنه في نهاية المطاف يشكل مظلة عسكرية وأمنية لا يستهان بها ويمكن تقويتها”.

الأهم فيما سيتمخض عن هذه القمة، وفق العزاوي: “هو التركيز من الآن وصاعدا في ظل أجواء الاستقطاب الدولية الحادة هذه على تعزيز منطلقات الأمن المشترك بين دول هذا التكتل، في مواجهة المحور الغربي الأطلسي، سيما وأن أمن دول هذه المجموعة بات مهددا، في ظل تعثر العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وتوسع الناتو وتمدده، ولهذا فتفعيل معاهدة الأمن الجماعي يندرج ضمن صلب الرؤية الروسية الجديدة التي تسعى لإعادة الاعتبار لتوازن الأقطاب والقوى عالميا”.

بدوره، يقول مسلم شعيتو، مدير مركز الحوار الروسي العربي، في حديث مع سكاي نيوز عربية: “معاهدة الأمن الجماعي هي منظمة أمنية سياسية للدفاع المشترك، ينضوي تحت لوائها عدد من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وقد تطور العمل المشترك بينها عبر عقود، وتم اختباره ميدانيا خاصة خلال الأزمة الأخيرة في كازاخستان، حيث نجح التكتل الجماعي في مهمته للتدخل العسكري هناك، الأمر الذي قوبل بالاستياء والريبة من قبل المحور الأطلسي الغربي، ما دفع واشنطن لتأليب كييف ضد موسكو، وعلى إثر ذلك اندلعت الأزمة الحالية، وكذلك دفعها هلسنكي وستوكهولم مؤخرا للانضمام إلى حلف الناتو، علاوة على محاولتها ضم جورجيا كذلك له”.

حيال ذلك، يضيف الخبير في الشؤون الروسية: “تسعى معاهدة الأمن الجماعي لصياغة استراتيجية أمنية جديدة، وتوسيع عضويتها عبر ضم دول وجمهوريات أخرى مثل أبخازيا وجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وثمة مؤشرات تفيد أته لاحقا قد تنضم دول كبرى ومهمة مثل الصين لهذا التكتل، بما يسهم في توسيع مجالات نشاطه الإقليمية حول العالم، بحيث لا يبقى مقتصرا على بلدان الاتحاد السوفييتي السابق”.

ويسترسل شعيتو: “كما تسعى روسيا لتوسيع إطار التعاون الأمني والسياسي وتزخيمه بين مختلف دول أوراسيا، من بيلاروسيا شمالا مرورا بالقوقاز وآسيا الوسطى وصولا لمنطقة المحيطين الهادئ والهندي، عبر بوابة تفعيل وتنشيط منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وتوسيع نطاقات اهتمامها ونفوذها لتخرج من الفضاءات السوفييتية السابقة التقليدية، وتستقطب قوى أخرى وتنشط بمناطق شراكة ونفوذ جديدة”.

وانعقدت هذه القمة بمناسبة حلول الذكرى الثلاثين لإبرام معاهدة الأمن الجماعي في 15 مايو من العام 1992، بعيد سقوط الاتحاد السوفييتي مطلع التسعينات، حيث وقع آنذاك رؤساء كل من روسيا وأرمينيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، على المعاهدة المبرمة في العاصمة الأوزبكية، طشقند، من أجل ضمان أمن دولهم بشكل مشترك، وتطوير التعاون بينها في المجالين العسكري والسياسي، والتي ضمت دولا أخرى فيما بعد وهي بيلاروسيا وجورجيا وأذربيجان.

لكن بعد خروج أوزبكستان وجورجيا وأذربيجان منها، تضم في صفوفها حاليا، فضلا عن روسيا كل من أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، والتي اتفقت في العام 2002، على تطويرها تحت مسمى منظمة معاهدة الأمن الجماعي.

skynewsarabia.com