غير أن أنباء أخرى صارت تتصاعد بشأن إمكانية نقل الولايات المتحدة وغيرها من دول الحلف لعتادها العسكري من القاعدة التركية إلى اليونان، بما في ذلك الصواريخ الاستراتيجية المخزنة في القاعدة، الأمر الذي يعيد التساؤل حول دور تلك القاعدة العسكرية في إحداث توتر بين تركيا والناتو، وإمكانية تحول تلك القاعدة إلى مركز للتعاون العسكري التركي-الروسي، بعدما ظلت لعقود رمزا لتعاون تركيا مع حلف الناتو.
الأزمة الجديدة بشأن إمكانية نقل بطاريات الصواريخ الروسية إلى القاعدة التركية، وما قد يقابلها من نقلٍ لأسلحة القاعدة إلى خارج تركيا، تأتي في ظلال حدثين سياسيين/عسكريين يعكران العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة وباقي حلف الناتو.
فاللقاء الأخير الذي عقد بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والأميركي جو بايدن في العاصمة الإيطالية روما أثناء قمة العشرين الأخيرة قبل عدة أيام، لم يخرج بأية توافقات ثنائية، خصوصا بشأن مطالب تركيا بتوجيه ضربة عسكرية جديدة لقوات سوريا الديمقراطية المقربة من واشنطن.
كذلك تأتي في وقت أخرجت فيه تركيا تماما ورسميا من برنامج طائرات “أف 35” الأميركية، وصارت أصوات من داخل الكونغرس الأميركية ترتفع لمنع تركيا حتى من الحصول على طائرات “أف 16” الأميركية التقليدية.
وكانت قاعدة أنجيرليك قد شيدت منذ أوائل الأربعينات من القرن المنصرم، في الضاحية الشرقية لمدينة أضنة التركية جنوبي البلاد، وصارت مقرا لتعاون جيوش الناتو مع تركيا أثناء عقود الحرب البادرة، فقاعدة إنجيرليك كانت مقرا اساسيا لمراقبة النشاطات العسكرية للاتحاد السوفياتي وقوى حلف وارسو.
إنجرليك.. وابتزاز الناتو
استخدمت تركيا ملف قاعدة إنجرليك، والتراخيص التي تمنحها بالطيران والمراقبة من داخل أراضيها، أكثر من مرة لابتزاز والضغط على دول الحلف، والحصول على تنازلات سياسية وعسكرية منها.
ففي أواسط السبعينات هددت تركيا أول مرة بإغلاق القاعدة المذكورة، بعدما أجمعت دول حلف الناتو على معارضتها لغزو تركيا لجزيرة قبرص في العام 1974، لكن حاجة تركيا وقتئذ لجهود الحلف، أثناء سنوات الحرب الأهلية الداخلية بين اليمينيين واليساريين في البلاد، منعتها عن ذلك.
وعادت تركيا في أوائل الألفية الحالية ومنعت قوات الحلف استخدام القاعدة أثناء حرب العراق.
وفي العام 2007، صدمت تركيا دول الحلف، حينما أعلنت عن إمكانية استقدامها لمنظومة HQ9 للدفاع الجوي الصاروخي ووضعها ضمن القاعدة، ووقعت العقد فعليا مع الطرف الصيني خلال العام 2013، لكنها تراجعت بعد عام واحد، تحت ضغوط أعضاء حلف الناتو، وفي ذروة توتر علاقتها مع روسيا.
وبعد حدوث الانقلاب العسكري المزعوم داخل تركيا في صيف العام 2016، ورفض الولايات المتحدة تسليم الداعية الإسلامي التركي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن، التي ادعت السلطات التركية أنه يقف وراء الانقلاب، عادت تركيا للتهديد بإغلاق القاعدة.
القاعدة بوصفها ورقة تركية
الباحث التركي في الشؤون السياسية أوزكور جنمبلي، شرح في حديث مع سكاي نيوز عربية الأسباب التي تدفع تركيا لكثافة استخدامها لملف قاعدة إنجيرليك التركية في علاقتها مع جيوش حلف الناتو: “القاعدة العسكرية هي واحدة من الأوراق القليلة المتبقية في يد تركيا لجذب وربط نفسها بحلف الناتو، بعدما تفككت واضمحلت باقي أوراق القوة التي كانت تميز تركيا أثناء مرحلة الحرب الباردة“.
ويضيف جنمبلي في حديثه مع سكاي نيوز عربية: “لكن التهديدات التركية وعمليات الابتزاز التي تمارسها صارت بمثابة لعب على حافة الهاوية، فالخيارات البديلة صارت عن القاعدة متوفرة للغاية، وقد أشار قادة الناتو أكثر من مرة إلى توفرها، في اليونان والأردن وغيرها من الدول. كذلك فإن تركيا صارت تشكل ثقلا عسكريا وسياسيا باهظ الثمن دول الحلف، مقابل مزايا متواضعة توفرها”.
لكن المؤشرات الأكثر حساسية لتركيا لإمكانية انقلاب الروابط العسكرية بينها وبين دول الحلف، آخرها كان الاتفاق الدفاعي الاستراتيجي الذي وقعته الولايات المتحدة مع اليونان في أواسط شهر أكتوبر الفائت، ومثلها وقعته اليونان مع فرنسا.
وقبل الاتفاقيات كانت الولايات المتحدة قد عقدت صفقات لبيع أسلحة استراتيجية لعدة دول إقليمية، ليس من بينها تركيا.