وبرز التعاون الأمني الإسرائيلي التركي، الذي يعود لعقود خلت، في الأيام الأخيرة، مع تقارير وتحذيرات من احتمال حدوث هجمات إيرانية تستهدف السياح الإسرائيليين، خاصة في مدينة إسطنبول.

وذكرت تقارير إخبارية تركية وإسرائيلية أن المخابرات التركية أحبطت مخططا إيرانيا لخطف دبلوماسيين وسياح إسرائيليين في إسطنبول.

وأكد ذلك وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي، مولود تشاووش أوغلو، في أنقرة الخميس.

وقال لابيد: “الاستخبارات التركية أحبطت مؤامرة إيرانية في إسطنبول”.

وبدوره، قال تشاووش أوغلو: “نرفض أي هجوم “إرهابي” على أراضينا”، مؤكدا أن بلاده تتعاون مع إسرائيل في مجال الأمن بشكل موثوق.

ازدهار التسعينيات

تركيا هي أول دولة مسلمة تعترف بإسرائيل، وكان ذلك عام 1949، وكانت العلاقات بين الطرفين اقتصادية في المقام الأول علنيا، حتى التسعينيات من القرن الماضي.

ففي ذلك العقد تعمقت العلاقات الإسرائيلية التركية، وأفاد الطرفان من مرحلة ما بعد الحرب الباردة وحرب الخليج وانطلاق عملية أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وتحولت العلاقات بين الطرفين، من اقتصادية إلى شراكة أمنية قوية، مبنية بشكل جزئي على النظرة المشتركة إلى سوريا على أنها تهديد، وفق ورقة بحثية لمركز “راند” الأميركي الذي يقدم تحليلات للقوات المسلحة الأميركية.

وكانت تركيا تسعى إلى تطوير جيشها لمواجهة تحديات أمنية مختلفة، وقد استفادت من تل أبيب في تزويدها بأسلحة نوعية.

وفي المقابل، حققت إسرائيل مكاسب كبيرة إذ أصبحت أنقرة سوقا مربحا لصناعاتها العسكرية.

وتجسد التعاون في هذه المرحلة بتوقيع اتفاقيتي تعاون دفاعي في فبراير وأغسطس 1996، خلال عهد حكومة نجم الدين أربكان ذات الطابع الإسلامي.

وعلى الرغم من أن محتويات هاتين الاتفاقيتين تظل سرية، إلا أنه يعتقد أنهما يشتملان التعاون في مجالات مكافحة الإرهاب وأمن الحدود، بحسب معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.

لكن ما تقدم لا يروي كل شيء عن علاقة الطرفين الأمنية، التي كانت تنمو منذ عقود طويلة، وما أن يصيبها التوتر حتى تعود وتزدهر من جديد.

البداية من الشبح

وذكرت مجلة “واشنطن ريبورت” أو “تقرير واشنطن” التي تقدم تحليلات معمقة لشؤون الشرق الأوسط في تحليل لها أن التحالف بين تركيا وإسرائيل طويل الأمد، ففي عام 1958، تم التواصل إلى اتفاق سري بين رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون ونظيره التركي حينها عدنان مندريس، باسم “ترايدنت” أو عرف لاحقا باسم “الشبح”.

ودعا الاتفاق إلى التعاون الإسرائيلي التركي ضد التطرف في الشرق الأوسط و “النفوذ السوفيتي”، وهو ما تضمن تعاونا أمنيا.

وحتى بعد انقلاب عام 1960، الذي أعدم فيه مندريس، نمت العلاقات الأمنية بين الطرفين.

وفي عام 1964، التقى رئيسا وزراء إسرائيل حينها ليفي إشكول رئيس تركيا عصمت إينونو في باريس لإحياء الاتفاق السابق، وتعهد الأول بتقديم تدريب تقني وشامل لأجهزة المخابرات والأمن التركية، لقاء أن يكون هناك مركز اتصال للمخابرات الإسرائيلية الخارجية “الموساد في إسطنبول.

وتحدثت تقارير عن وجود مساعدة إسرائيلية في الغزو التركي لقبرص عام 1974، لكن ذلك لا توجد إفادات رسمية بشأنه.

عبد الله أوجلان

وفي أواخر تسعينيات القرن الماضي لعبت المخابرات الإسرائيلية الخارجية “الموساد” دورا في تتبع زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، ألد أعداء تركيا، وسملت معلومات استخبارية إلى أنقرة ساهمت في اختطافه عام 1999.

ويقول كتاب “أسرار الموساد” لمؤلف جوردن توماس إن رئيس الوزراء التركي الأسبق بولنت أجاويد طلب من نظيره الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، المساعدة في القبض على أوجلان.

وقال جوردن، الذي قال فيه كتابه إن حصل على المعلومات من مصادر موثقة في إسرائيل، إن عناصر “الموساد” تتبعوا تحركات أوجلان حتى تمت عملية خطف على أيدي الأكراد في مطار نيروبي بكينيا.

لكن إسرائيل نفت ضلوعها في العملية، ومع ذلك أصر حزب العمال الكردستاني على الحصول على اعتذار من تل أبيب عندما بدا أن هناك دعوات لإقامة علاقة بين الطرفين عام 2011.

تبادل واسع للمعلومات

أما معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى فسلط الضوء في ورقة تقييمية للعلاقات بين تركيا وإسرائيل، على الجوانب الأمنية الخفية.

وقال إن البلدان تبادلا المعلومات الاستخباراتية حول مسائل مختلفة لعدد من السنوات، ووصل الأمر إلى تبادل التقييمات المتعلقة بالإرهاب والقدرات العسكرية لسوريا والعراق وإيران في مراحل سابقة.

ونقل المعهد تقارير تحدثت عن أن عناصر المخابرات الإسرائيلية رافقت القوات التركية في شمالي العراق، لإقامة مركز استخباري هناك قبل سنوات.

 الأزمات لا تفسد التعاون

رغم أن الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 أحدثت هزة في علاقات إسرائيل بتركيا، إلا أن ذلك لم يطل التعاون العسكري، بما في ذلك التدريبات العسكرية المشتركة، وعلى سبيل المثال في عام 2002، وقعت إسرائيل عقدا مع تركيا لتحديث 170 دبابة بقيمة وصلت إلى مليار دولار.

وعندما تولى وزارة الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان عام 2016، أمر بحظر جميع الصفقات الدفاعية مع تركيا، لكنه استثنى تبادل المعلومات الاستخبارية المتعلقة بالإرهاب، حتى عندما كانت العلاقات بين البلدين شبه مجمدة دبلوماسيا على خلفية حادثة مافي مرمرة. 

ومع ذلك، تبدو العلاقات بين الطرفين مهمة، فإسرائيل بحاجة إلى سوق تبيع أسلحتها فيه، كما أن كثيرا من مواطنيها يزورون تركيا للسياحة، وهي تهتم كثيرا بأمنهم الشخصي خشية تكرار هجمات وقعت في الماضي.

وسبق أن وقعت هجمات استهدفت إسرائيليين في تركيا، مثل ذلك الذي وقع في مارس 2016، حيث أصيب 3 إسرائيليين، كما قتل آخر في الهجوم الإرهابي الذي ضرب إسطنبول في 31 ديسمبر 2016.

وتنظر إسرائيل إلى إيران بعداء، أما تركيا فتنظر إليها بشكوك، وهو ما يوفر أرضية لتعاون ثنائي تجاه طرف مقلق لكليهما.

وخلال الأيام الأخيرة، بدا واضحا أن مستوى التنسيق الأمني والاستخباري بين الطرفين على مستوى عال.

skynewsarabia.com