وتثار تكهنات حول أسباب بطء سير الهجوم الروسي، وهل تفادي الروس سيناريو اقتحام المدن خشية حرب الشوارع مكتفيا بمحاصرتها لقطع الإمدادت والضغط على نظام كييف حتى إسقاطه؟
أم تحول الهجوم إلى سيناريو حرب الاستنزاف والعصابات من الجانب الأوكراني وهو ما يتجنبه الروس فتأخر حسم هذا الهجوم العسكري؟
“تسير وفق المخطط”
والسؤال عن سير العلميات العسكرية الروسية، أجاب عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، نفسه، الخميس، قائلا إن “العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا تسير حسب المخطط وبالالتزام التام بالجدول الزمني”.
وألمح بوتن، في كلمة للشعب الروسي إلى أن “حرب عصابات” من الجانب الأوكراني.
ويقول:” هناك مرتزقة يقاتلون في صفوف القوات الأوكرانية ويتصرفون بأساليب عصابات الإرهابيين”، لافتا إلى أن “القوميين في أوكرانيا يدفعون سكان المباني السكنية إلى وسط المباني، وينشرون الأسلحة في الطوابق السفلية والعليا، وهذا ما كان يفعله النازيون”.
كما اتهم بوتن، القوميين في أوكرانيا باحتجاز آلاف الطلاب كرهائن، متعهدا بأن تُخصص لجميع أسر العسكريين الذين سقطوا في المعارك دفاعا عن وطنهم مبالغ مالية ومدفوعات شهرية.
تكتيك أوكرانيا
وهنا يقول المحلل العسكري خليل الحلو: “الأوكرانيون يتبعون تكتيك القتال التأخيري، ما يجعل القوات الروسية تتقدم ويدخل في حرب عصابات”.
ويضيف لموقع” سكاي نيوز عربية”: “الروس لم يتوقعوا حدوث مقاومة أوكرانية بهذا الشكل، ويستخدمون تكتيك الحرب غير المتكافئة والتي تعني استعمال أدوات وأسلحة متواضعة لإلحاق الأذى بالقوات الروسية”.
ويردف: “يحاول الروسي تحقيق نصر سريع وحاسم للجلوس إلى مائدة المفاوضات في وضع متحسن، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن، فلم نر سيطرة روسية على العاصمة كييف ولا إحكام قبضة عليها، كما أثناء دخول القوات الروسية مدنية خاركيف تعرضت لحرب عصابات ووقعت في كمائن نصبها الأوكرانيين”.
عملية معقدة ومدهشة
تفسيرات غربية أخرى للعملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا وجدولها الزمني، تقول إن الهجوم الروسي يسير وفق القواعد والتخطيط العسكري الروسي المتبع.
وتضيف مصادر دفاعية بريطانية أن الهجوم العسكرى الروسي “جاء وفق القواعد الروسية المتبعة.”
كما أن موسكو اختارت استخدام القوة الكاسحة والهجوم متعدد المحاور من البر والبحر والجو مع القوات المتحركة مع انتقال القوات من الشمال والجنوب والشرق ومهاجمة عشر مناطق أوكرانية في وقت متزامن.
ويقول محللون عسكريون إن تكتيك بوتن كان ضرب الأهداف بقوة وبسرعة بالصواريخ والقصف المكثف، بينما تم اختيار المركبات الأخف للهجوم البري، حيث كانت سرعة التحرك حاسمة للاستراتيجية الروسية.
وبحسب صحيفة “الغارديان” البريطانية، فإن الجيش الروسي بدأ الحرب بمهاجمة الأهداف العسكرية بأوكرانيا، حيث مهدت الطريق للقوات البرية للتحرك.
ويقول المحللون إن القوات الروسية البرية كانت متحركة للغاية ولديها الكثير من القوة النارية حتى تتمكن من مهاجمة الأهداف بسرعة والمضى قدما.
وقال جاستن كرومب، الرئيس التنفيذى لشركة سبيللاين للاستخبارات والمخاطر الجيوسياسية، إن “كل كتيبة تكتيكية روسية تتكون من حوالي ألف جندي، مما يجعلها أسرع بكثير في الاستيلاء على الأراضى”.
ويقول البنتاغون إن العمل العسكري لروسيا في أوكرانيا يشير إلى أن قواتها تقوم بخطوات جريئة للاستيلاء على مدن رئيسية قبل كييف، حيث يأملون في عزل الحكومة المدعومة من الغرب وقطع رأسها في نهاية المطاف، وتنصيب قيادة جديدة موالية لموسكو.
كما خطة الحرب الروسية ارتكزت على استخدام الضربات الجوية والصواريخ الباليستية والدبابات لتدمير عدة أهداف وفتحت القوات الروسية حملة من ثلاث جبهات مع تحرك القوات والأسلحة الثقيلة من الشمال والجنوب والشرق، واضفين العملية العسكرية بأنها “هجوم مبكر”.
ويقول ديك تاونسند، نائب مساعد وزير الدفاع لأوروبا وحلف شمال الأطلسي فى إدارة أوباما، لصحيفة “واشنطن بوست”، الأميركية، إن العملية العسكرية الروسية مدهشة في تعقيدها، وتمثل تتويجا لتخطيط وتدريبات واسعة النطاق تعود إلى سنوات ماضية.
ويضيف أن توحيد القوة الجوية والعمليات البحرية والقتال البري، المعروف فى اللغة العسكرية باسم “الأسلحة المشتركة”، هو خطوة زلزالية تتجاوز الهجوم الروسى لجورجيا فى عام 2008.
ويشير المسئول الأميركى إلى أن هذا “يمثل جهدا منسقا من عدة محاور، وجيش روسى تقليدى كفء يمضى بطريقة لم نشهدها من قبل”.
التكتيك الروسي
وفي هذا الصدد أيضا، رسم وزير الدفاع البريطاني بن والاس صورة، وصفتها وسائل الإعلام المحلية البريطانية ، بـ”القاتمة” عن التكتيكات العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وحذر والاس، الخميس، من أن الأمور ستدهور أكثر في حرب أوكرانيا التي دخلت أسبوعها الثاني.
وسلط وزير الدفاع البريطاني الضوء على العقيدة العسكرية لموسكو، مشيرا إلى أن قواتها ستذهب للأرجح نحو محاصرة المدن الرئيسية وقصفها بصورة عشوائية، قبل السيطرة على ما تبقى منها.
ويقول: “القوات الروسية ستضرب المدن بلا رحمة، لقد شاهدنا هذا التكتيك في الشيشيان سابقا”.
لكنه استدرك:” لكن المشكلة مع أوكرانيا أن مساحة أكبر بكثير من دول مثل فرنسا وألمانيا معا، مع سكان يصلون إلى 44 مليونا، قد يطيل أمد الصراع والتمرد في أوكرانيا وسيواجه نوعا من التمرد حتى لو سيطر على أراضيها على غرار ما حدث مع الاتحاد السوفيتي في أفغانستان والغرب في العراق بعد عام 2003″.
حصار المدن
ومن جهة نظر خبراء عسكريين آخرين فيقولون إن الحرب الروسية الأوكرانية لا تسير كما كان مخططا له، حيث تواجه موسكو مقاومة مسلحة أعنف من المتوقع بالإضافة للعقوبات الغربية.
ويقول ريتشارد شيريف، نائب سابق للقائد العسكري بمنظمة حلف الناتو:” قد تكون روسيا قيدت عن عمد حملتها في بداية الحرب، وتوقعت مقاومة أقل بكثير عما وجدوه، وقد تواصل استخدام تلك التكتيكات من أجل إرهاق المقاومة”.
لكن السيناريو الأكثر ترجيحا، طبقا لشيريف، هو أن تستخدم روسيا قوة أكبر لتتعمق أكثر في أوكرانيا، بفرص حصار على المدن أو استخدام الأسلحة الثقيلة ضدهم، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية.
وتابع :”استفادت القوات الأوكرانية من أصولها العسكرية في مواجهة خصم أكبر وأكثر تطورا، والتقدم البطئ الذي تحرزه روسيا خير دليل على عزيمة الجيش الأوكراني”، مؤكدا أن الروح المعنوية عامل مؤثر والأوكرانيون يتمتعون بقوة معنوية.