وخلال الساعات الأخيرة، توالت الاستقالات في صفوف حكومة جونسون، مما يمهّد الطريق إلى انفراط عقد حكومته وإقصائه عن الحكم، لكنه مع ذلك أبدى تمسكه بالسلطة.
ومنذ اليوم الأول لتوليه الحكم، رافقت الفضائح والمتاعب رئيس الوزراء البريطاني، إذ لم تمض ساعات على استلامه رئاسة الحكومة البريطانية في 24 يوليو 2019، حتى عيّن شقيقه جو وزيرا في مجلس الوزراء، وأثار ذلك التعيين غضب كثيرين في بريطانيا.
لكن تلك القصة لا تذكر مقارنة مع ما عرف إعلاميا بـ”حفلات كورونا” أو “حفلات الإغلاق”، التي أحياها جونسون في 10 داوننغ ستريت (مقر الحكومة البريطانية)، في انتهاك لقواعد الإغلاق التي فرضتها حكومته على الشعب في إطار مكافحة كورونا، وكانت قاسية بنظر الكثيرين.
كما سميت الفضيحة باسم “بارتي غيت“، على غرار فضيحة “ووتر غيت” الشهيرة.
بداية القصة
ورغم أن الحفلة الأولى نظمت في مايو 2020، إلا أن أمر انكشف في يناير من العام الجاري، عندما أشارت تقارير صحفية إلى تلك الحفلة، قبل أن يتبين أن هناك حفلات وتجمعات وصل عددها إلى 16 على الأقل، وكانت واحدة منها مخصصة للاحتفال بعيد ميلاد بوريس جونسون.
وذكر أحد التقارير الإخبارية أن عشرات الأشخاص حضروا حفلا في مقر رئاسة الوزراء، وبعدها بدأت الضغوط على جونسون.
وكان أول من تحرك ضد جونسون خصومه من أعضاء حزب العمال المعارض في البرلمان، إذ طالبوا باستجوابه، وقالوا إن عليه الاستقالة في حال ثبت أنه خرق القانون.
وفي فبراير، وجهت الشرطة البريطانية أسئلة إلى رئيس الحكومة في إطار تحقيق عن الحفلات.
وحاول جونسون امتصاص غضب السياسيين والشعب على حد سواء، فقال في البداية إنه لا يعتقد أنه خرق أي قوانين.
وعندما لم يفلح ذلك، حاول تقديم اعتذارات متتالية، حتى أنه كرر الاعتذار خلال جلسة واحدة للبرلمان مرات عدة، دون أن ينجح ذلك في نزع فتيل الأزمة.
وفي أبريل، فرضت الشرطة البريطانية غرامات مالية على جونسون ووزير ماليته ريشي سوناك، ولم تمض ساعات حتى أعلن جونسون اعتذاره الكامل عما حدث.
وطالب زعيم حزب العمال المعارض، كير ستارمر، جونسون وسوناك بالاستقالة، لأنهما خالفا القانون “كذبا مرارا على الشعب البريطاني”.
عدد الحفلات كبير
وفي مايو الماضي، أوصى تقرير حكومي بريطانيا في الحفلات بأن كبار المسؤولين البريطانيين مذنبين. وحقق التقرير في 16 تجمعا حضرها جونسون مع موظفيه خلال عامي 2020 و2021.
وحاول رئيس الوزراء البريطاني التبرير لكي ينجو من التبعات، فقال إنه نظم الحفلات بداعي تقدير جهود الموظفين أثناء جائحة كورونا، لكن التقرير أكد أن التجمعات كانت تضرب بعرض الحائط تعليمات التباعد الاجتماعي التي أقرتها الحكومة نفسها.
وفي مطلع يونيو الماضي، كان متوقعا أن يعزل حزب المحافظين البريطاني جونسون من منصبه عبر التصويت على حجب الثقة عنه، وجاءت الخطوة بعدما طالب العشرات من أعضاء حزبه بذلك، لكنه نجا من التصويت.
وكان يعتقد أن جونسون نجا من الإقصاء السياسي لفترة من الزمن، نظرا لنظام الحزب الذي يجعله محصنا ضد أي محاولة سحب ثقة لمدة عام آخر.
لكن الأمر لم ينته هنا.
خسائر واستقالات
في نهاية يونيو، خسر حزب المحافظين مقعدين في البرلمان إثر انتخابات فرعية، في معاقل تقليدية للحزب.
وبعد الخسائر التي مُني بها حزب المحافظين، استقال رئيس الحزب أوليفر دودن في خطاب صاغه بعناية وألمح فيه إلى أنه يعتقد بأن على جونسون تحمل مسؤولية ما يحدث.
وفي بداية يوليو الجاري، بدأ عقد حكومة جونسون في الانفراط، فقدم وزيرا الصحة والمال، ساجد جاويد وريشي سوناك، وقال جاويد في كتاب الاستقالة: من الواضح بالنسبة لي أن الوضع لن يتغير تحت قيادتكم، وقد فقدت الثقة بكم”.
ثم توالت الاستقالات، التي شملت 6 وزراء منهم: وزير الدولة لشؤون الأطفال والعائلات ومساعدة وزير الدولة لشؤون النقل، ثم وزيرة العدل ووزير الإسكان، إضافة إلى عدد من المسؤولين في الحزب، وبلغ مجموع المستقلين في الحزب حتى مساء الأربعاء 27.
تغيير “مطلوب” لطرد جونسون
وقال تقرير لشبكة “سكاي نيوز” البريطانية إن رحلة جونسون في الحكم كانت محفوفة بالمخاطر، حتى قبل انكشاف أمر الحفلات، إذ شهد عام 2020 استقالة دومينيك كامينغز كبير مستشاري جونسون وحليفه القوي.
وقال كامينغز لاحقا إن جونسون لا يتمتع بالكفاءة، وإن زوجة رئيس الوزراء حاولت تعيين موظفين كبار في الحكومة.
وذكرت “سكاي نيوز” أن هناك جهودا يبذلها أعضاء في البرلمان البريطاني عن حزب المحافظين يسعون لطرح حجب الثقة مجددا عن جونسون بعد “الزلزال السياسي” المتمثل في الاستقالات المتتالية.
وذكرت نقلا عن عضو في لجنة 1922 الخاصة بالحزب أن القواعد الحزبية قد تتغير تمهيدا للتصويت على حجب الثقة من جديد.