ودميرتاش محتجز في السجون التركية على ذمة المحاكمة منذ نوفمبر من عام 2016، حيث تتهمه الحكومة بأنه على صلة بـ”حزب العمال الكردستاني” الذي تصنّفه أنقرة جماعة إرهابية، وهو ما ينفيه دميرتاش وحزبه.
وعادت قضية دميرتاش إلى الواجهة مرة أخرى بعد 4 سنوات قضاها في السجن، حيث طالبت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الثلاثاء الماضي تركيا بالإفراج الفوري عن السياسي الكردي، التزاما بحكم صادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عام 2018.
ورغم أن هناك محاكم تركية أمرت بالإفراج الشرطي عن دميرتاش بعد حكم المحكمة الأوروبية، فإنه لا يزال محتجزا في سجن ببلدة أدرنة شمال غربي البلاد، على بعد حوالي 250 كيلومترا شمال غرب إسطنبول.
ولفتت “هيومن رايتس ووتش”، إلى أن اعتقال دميرتاش وثمانية نواب آخرين عن حزب الشعوب الديمقراطي كان بمثابة البداية لـ”هجوم حكومي مستمر” على الحزب.
وحول ذلك يقول المحلل السياسي الكردي، مصطفى عبدي في تصريح خاص لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن أردوغان “يترقب وصول بايدن للبيت الأبيض، ليقوم بسلسلة إجراءات للإيحاء بأنه سيعود إلى الديمقراطية التي دمرها نظامه، وسيفرج عن صلاح الدين دميرتاش، وآخرين فقط لإرضاء واشنطن، خاصة وأن كل الآراء تتحدث أن الإدارة الأميركية المقبلة ستولي ملف حقوق الإنسان الأهمية القصوى”.
وفي ذات السياق، قال نائب رئيس حزب الشعوب الديمقراطي للشؤون الخارجية، هشيار أوزسوي، إنه “بتولي جو بايدن للحكم، سينعكس الأمر على العلاقات مع الشرق الأوسط وأوروبا وبالأخص تركيا، وعلى الرئيس أردوغان أن يقوم ببعض التغييرات ليتكيّف مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكما هو معروف فأردوغان كان صديقا شخصيا للرئيس ترامب، وكان أكثر حزما في تصرفاته مع الولايات المتحدة اعتمادا على علاقته بالرئيس الأميركي”.
وتابع أوزسوي، في تصريح خاص لموقع “سكاي نيوز عربية”: “الرئيس بايدن سيعمل عن قرب مع سلطات الاتحاد الأوروبي لفرض مزيد من الضغوط على أردوغان، وهو أمر لن يكون في صالح الرئيس التركي، الذي سيجد نفسه مجبرا على التغيير للتكيّف مع الظرف العالمي. وفيما يخص صلاح الدين دميرتاش ومسجونين آخرين منذ 2016 فنحن في انتظار الحكم النهائي للمحكمة التركي”.
وأضاف قائلا: “لا يمكننا الجزم بما سيحدث، ولكن سيكون هناك مزيد من الضغوط على تركيا، وما سيفعله أردوغان لا يمكن التنبؤ به”.
وأشار إلى أنه في قضية دميرتاش، كان من المفترض الإفراج عنه بحسب قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، لكنه ما زال قيد الاحتجاز، مضيفا: “في هذه الحالة لا نملك سوى الانتظار، ونحن لسنا متفائلين بشكل مؤكد، ولكن من المتوقع أن يفتح أردوغان المجال بعض الشيء، وقد يشمل الانفتاح الإفراج عن بعض السجناء، وقد يكون من ضمنهم دميرتاش وكافالا”.
مأزق أردوغان
عضو الحزب الديمقراطي الأميركي، مهدي عفيفي، قال لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن تركيا بدأت في تغيير التعاطي مع الولايات المتحدة وهناك حرص شديد في إصدار التصريحات الخاصة بالداخل التركي.
وبيّن عفيفي أن “تركيا ستتخذ إجراءات إصلاحية مبدئية، خاصة أنها خلال فترة ترامب كان لها منهجا تعسفيا، حتى أنها طلبت ترحيل بعض المقيمين في أميركا مثل فتح الله غولن، الذي سعى أردوغان بشكل حثيث لتسليمه لأنقرة ولكن تم رفض طلبه”.
أما المحلل التركي، محمد عبيد الله، فقال في تصريح خاص لموقع “سكاي نيوز عربية”: “أردوغان يعرف أنه وصل إلى طريق مسدود خاصة بعد رحيل صديقه القرب في واشنطن ترامب وقدوم بايدن، وهو الآن يحاول الخروج من هذا المأزق من خلال إجراء إصلاحات قضائية واقتصادية، لكن لن يستطيع الخروج من هذا المأزق مادام النظام الذي أسسه مع حلفائه القوميين اليمينيين واليساريين المتطرفين قائما.
وبحسب عفيفي فإن “أشكال الإصلاح قد تتمثل في إطلاق بعض السجناء السياسيين وإطلاق محدود للحريات، خاصة بعد استيلاء أردوغان على كل المؤسسات الصحفية المستقلة، وسجن كثير من المدرسين والمفكرين بتهم مشبوهة ومزيفة”.
واسترسل عفيفي قائلا: “حتى لو تمت بعض هذه الإصلاحات الشكلية، فهناك إعادة نظر في العلاقات مع الولايات المتحدة، لأن أردوغان تخطى خطوطا حمراء كثيرة ولم يكن الحليف المرجو لأميركا، ولا حتى الدول الأوروبية، لذلك أعتقد أن رد فعل إدارة بايدن ستشمل على نوع من المحاسبة واتخاذ خطوات جادة تجاه تركيا، وعودة العلاقات إلى حجمها الحقيقي، وأن تركيا ليست ندا للولايات المتحدة بل هي تابع، وأن محاولة أردوغان خلال فترة معينة التصرف على أنه ندا للولايات المتحدة سيكلفه الثمن غاليا مستقبلا”.
من جانبه يرى عبدي، أن حديث حكومة أردوغان عن تغييرات في الديمقراطية وحقوق الانسان، وإنه يجب إطلاق سراح المعتقلين وعلى رأسهم عشرات الآلاف من الكرد، بينهم صلاح الدين دميرتاش، وغيره من الساسة والصحفيين، لن ينطلي على أوروبا وأميركا، اللتين عادتا وأكدتا على أنهما بانتظار خطوات ملموسة.
ولفت عبدي إلى أن الغرب “لن ينخدع بخطب أردوغان فهي ليست المرة الأولى التي يتودد فيها ثم يظهر كذبه ونفاقه، قبل كل تهديد جدي”.
وبدوره يعتقد عبيد الله أنه “لا يمكن منع غرق هذه السفينة من خلال دهن أشرعتها، فأردوغان قضى على كل مؤسسات الدولة ولا يمكن عودتها إلا ببناء نظام جديد لا يحمل في طياته أخطاء تسعينيات القرن الماضي أو المتطرفين. يجب على كل المظلومين في هذه الفترة، وعلى رأسهم الديمقراطيين من الأكراد والأتراك الالتفاف حول القيم الديمقراطية العالمية، بعيدا عن التوجهات الأيديولوجية، والتركيز على القيم التي تضمن حرية الفكر والمعتقد والممارسة واحترام موقف كل إنسان ما لم يخل بالنظام العام”.