جولات متعاقبة من التصعيد والتصعيد المضاد تنبئ بمواجهة مكتملة المعالم، فالتجارب الصاروخية العابرة للقارات تقابلها مناورات عسكرية من الطراز الثقيل.
فهل تكون نهاية الهدنة، بداية لصراع أوسع، لا يوفر لا الأقربين ولا الأبعدين؟ وكيف تبدو سيناريوهات التصعيد في شبه الجزيرة الكورية؟
الجواب على الخريطة
لا يختلف اثنان على أن أي مواجهة مع كوريا الشمالية لن تكون خالية من مواجهة صاروخية عابرة للقارات وبأسلحة نوعية كشفت عنها مؤخراً تشكل أركان قوة الردع لبيونغيانغ.
الدليل هو صاروخ هواسونغ 17 الذي نجحت كوريا الشمالية في اختباره في أبريل 2023، وانطلق من بيونغيانغ ليرتقي إلى أقصى ارتفاع يتجاوز 6 آلاف كيلومتر.
وقطع مسافة ألف كيلومتر قبل أن يهبط بدقة في المنطقة المحددة مسبقا في المياه المفتوحة قبالة البحر الشرقي.
لكن مداه الحقيقي، وفق خبراء، قد يصل إلى 15 ألف كيلومتر أو أكثر، وهذا واقع مقلق نظراً لقدرته على ضرب أي هدف تحديدا في الولايات المتحدة.
والأخطر من ذلك قدرته على حمل 3 أو 4 رؤوس نووية في وقت واحد، وقد يكون أكبر صاروخ باليستي محمول على الطرق في العالم، كما تصنفه تقارير عدة.
أما “هواسان 31″ و”مارس 25-27” فصواريخ يمكن أن تحمل رؤوساً نووية تكتيكية حديثة كشفت عنها بيونغيانغ يطلق عليها هواسان 31.
تفقد الرئيس الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، تلك الصواريخ، في صور نشرتها وسائل إعلام محلية في أواخر مارس 2023.
وهي المرة الأولى التي تقدم فيها كوريا الشمالية دليلا على امتلاكها رؤوسا نووية تكتيكية.
في الشهر التالي، كشفت بيونغيانغ عن غواصة مسيّرة ذات قدرات نووية قالت وسائل إعلام إنها كفيلة بإحداث تسونامي مشع اسمها “حائل-2”.
الغواصة قطعت مسافة 600 كيلومتر تحت الماء على مدى 41 ساعة تقريبا ونجحت في إصابة الهدف.
قمر تجسس
وتوجت بيونغ يانغ أسلحتها بقمر اصطناعي تجسسي لجمع معلومات في الوقت الفعلي عن الجيش الأميركي وحلفائه، كما قالت وسائل إعلام كورية.
أمر كيم جونغ أون بإطلاقه من دون تحديد التاريخ، فيما تحاول بيونغيانغ البعث برسائل مفادها أن ردها سيكون قاسياً وصارماً في حال تجرأت كوريا الجنوبية ومن ورائها الولايات المتحدة على القيام بعمل عسكري ضدها.
تخوف تبرره كوريا الشمالية بالمناورات العسكرية المنتظمة بين الحليفين الأميركي والكوري الجنوبي.
في بوهانغ، أجرت سول وواشنطن أكبر مناورات عسكرية مشتركة في السنوات الأخيرة في أبريل 2023.
شاركت فيها 30 سفينة حربية و 70 طائرة، من بينها قاذفة إستراتيجية واحدة على الأقل من طراز “بي 52 إتش” قادرة على حمل أسلحة نووية و 50 عربة مدرعة، في تدريبات إنزال برمائية مشتركة واسعة النطاق تهدف إلى لتعزيز الردع ضد التهديدات الكورية الشمالية المتزايدة.
وفي إطار ما يُسمّى بالردع الموسّع الذي يمنع الهجمات على الحلفاء بفضل الوسائل العسكرية الأميركية بما في ذلك النووية.
التوترات بين الشمال المدعوم من الصين تاريخياً والجنوب المدعوم من الأميركيين لم تتوقف على أي حال حتى مع نهاية الحرب الكورية عام 1953.
حرب، خلفت مليون ومئتي ألف قتيل، بين طرفين لا غالب ولا مغلوب بينهما انتهت بهدنة وليس بتوقيع سلام رسمي، مما يعني أن الكوريتين من الناحية الفنية ما تزالان في حالة حرب، وأن المنطقة باتت ساحة لحرب باردة بين القوى الكبرى، فلا الأميركيون وحلفاؤهم دحروا المد الشيوعي في شبه الجزيرة ولا الشيوعيون الكوريون وحلفاؤهم الصينيون استطاعوا توحيد شطري كوريا تحت اللون الأحمر.
وبقيت تفصل بينها منطقة منزوعة السلاح عازلة بطول 250 كم بين الكوريتين، على مسافة 50 كلم إلى شمال سول و200 كلم إلى جنوب بيونغيانغ.
ووافق الطرفان على سحب قواتهما إلى مسافة 2000 متر، بموجب اتفاق الهدنة، أما المناطق المحاذية لها، فهي من أكثر الحدود تحصينا في العالم، وفيها معسكرات ومدفعية وحقول ألغام، فمخزون كل من كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية يتجاوز بسهولة مليون قذيفة يمكن استخدامها لتشغيل آلاف المدافع الضخمة التي تتجه فوهاتها صوب بعضها البعض عبر المنطقة منزوعة السلاح التي تفصل بينها.
بقي التوتر يسود والعلاقات ووصل إلى أوجه في 2022، العام الذي اختبرت فيه كوريا الشمالية أكبر عدد من الصواريخ في تاريخها بلغ 90 صاروخا باليستياً، بما فيها 8 صواريخ عابرة للقارات.
في أكتوبر من نفس العام، اختبرت كوريا الشمالية صاروخا متوسط المدى حلق فوق بحر اليابان قبل أن يهبط في شرق المحيط الهادئ. على بعد 4600 كم.
لتؤكد كوريا الشمالية قدرتها على إطلاق صواريخ باليستية يمكن أن تضرب هذه المرة أهدافا في أي مكان في كوريا الجنوبية واليابان وحتى القواعد العسكرية الأميركية في جزيرة غوام التي تضم نحو 22 ألف جندي.
يضاف إليه في الترسانة الصاروخية الكورية الشمالية صاروخ هواسونغ-14، بمدى يتجاوز 10 آلاف كم وهواسونغ-15 بمدى يناهز 13 آلف كم، مما يمكنها من ضرب معظم أهدافها في الولايات المتحدة.
أمام الزخم العسكري الكوري الشمالي، وفي إجراءات لا مثيل لها منذ الحرب الباردة، قررت واشنطن إرسال غواصة نووية لتتوقف في كوريا الجنوبية لتعزيز قدرات الردع في مواجهة كوريا الشمالية.
واتفقت سول وواشنطن على نشر قدرات عسكرية استراتيجية أميركية في شبه الجزيرة الكورية، بما في ذلك منصات ذات قدرات نووية من أجل ردع تهديدات كوريا الشمالية.
كل ذلك يعني أن السيناريو الأكثر ترجيحاً يميل إلى المزيد من التصعيد، الذي لن يقتصر على الكوريتين بل سيطال حتما حلفاءهما. فالولايات المتحدة تنشر نحو 30 ألف جندي في كوريا الجنوبية و50 ألف في اليابان المجاور و22 ألف في غوام.
وفي هاواي، تنشر أكبر أساطيلها ويضم 250 ألف من البحرية و2000 طائرة و200 سفينة.
في المقابل، تمتلك كوريا الشمالية حدودا مشتركة مع الصين وروسيا، وإذا صدقت تقارير إعلامية قد تكون موسكو وبيونغيانغ على وشك إعادة تأسيس تحالف الحرب الباردة الذي انهار بانهيار الاتحاد السوفيتي، ما يتيح لبيونغيانغ الاستفادة من أسطول المحيط الهادئ الروسي المتمركز في فلاديفوستوك التي تبعد 479 كم عن كوريا الشمالية.
والصين هي غالبًا أقرب حليف لكوريا الشمالية. ويملك البلدان معاهدة تعاون ومساعدة متبادلين، تُعد حاليًا معاهدة الدفاع الوحيدة التي تملكها أي دولة مع أي دولة أخرى.
التوتر في شبه الجزيرة الكورية سيبقى على الأرجح قائما، وإن اختلفت حدته من فترة لأخرى، ولعل خطورته تكمن في سياسة “حافة الهاوية” التي تتبعها بيونغيانغ، رغم يقينها بأن أي هجوم على واشنطن أو سول سينتج عنه رد قد يهدد بقاء نظامها وأن انجرار الصين إلى الحرب إلى جانبها يبقى احتمالًا ضئيلًا.
فهل لدى واشنطن، الطرف الرئيسي المتحكم في قواعد اللعبة في المنطقة، الإرادة السياسية لعدم استفزاز كوريا الشمالية، أم تندلع حرب شاملة في المنطقة، وينفجر برميل البارود المتفجر، نتيجة لتقديرات خاطئة من أحد الجانبين؟