ويبدو أحمد مسعود وكأنه أبرز المرشحين لخلق قطب معارضة الداخل الأفغاني لحركة طالبان، سواء على المستوى السياسي أو العسكري، وذلك من ولاية بنجشير التي ينحدر منها.
قبل أيام قليلة، كان مسعود قد وجه دعوة للإدارة الأميركية والأفغان في الخارج لتأييد سعيه إلى قيادة الحركة الأفغانية المسلحة المناهضة لحركة طالبان، التي سيطرت على مختلف مناطق البلاد طوال الأسابيع الماضية. وقال إن ولاية بنجشير شمال شرقي البلاد، تجهز لأن تكون مركزا لتلك المقاومة.
هذه الولاية التي ينحدر منه نجل الزعيم السياسي الأسبق، أحمد شاه مسعود، لا تزال خارج سيطرة حركة طالبان، بالرغم من صغر حجمها، وقربها من العاصمة كابل.
وارتفعت أيضا العديد من الأصوات السياسية والعسكرية الأفغانية الداعية للتوجه نحو الولاية وتكرار ما يوصف بـ”ملحمة بنجشير” الشهيرة في مواجهة الاحتلال السوفيتي.
تاريخ طويل
المزاج العام في الولاية، التي يشكل المنحدرون من عرقية الطاجيك أغلبية سكانها، مناهض سياسيا لحركة طالبان، لأسباب عرقية وتاريخية. فالسكان المحليون بأغلبيتهم يعتقدون أن الحركة ستفضل المنحدرين من عرقية الباشتون على نظرائهم الطاجيك.
يعرف الطاجيك أيضا أن تاريخ الولاية المناهض للحركة في التسعينيات، وما تلاه من قيادة زعمائها السياسيين لتحالف الشمال، الذي قضى على سلطة الحركة عام 2001، سيدفع الحركة للثأر منهم.
دعوة مسعود ترافقت مع 3 تحولات ميدانية وسياسية في ذلك الاتجاه، إذ نقل “موقع أكسيوس” عن مسؤول أميركي رفيع، قوله إن حركة طالبان لن يكون مسموحا لها بالوصول إلى أصول واحتياطات البنك المركزي الأفغاني.
وغالبية هذه الأصول موجودة في الولايات المتحدة وليس في أفغانستان، وهي تقدر بحوالي 9.5 مليار دولار، التي صارت بحكم المجمدة، فيما يطالب مناهضو حركة طالبان أن تُمنح لهم في سياق مناهضة الحركة.
كذلك أفادت مصادر عسكرية من العاصمة الأفغانية كابل بأن قرابة 10 آلاف مقاتل أفغاني، من الذين فروا من العاصمة كابل ومدينتي مزار شريف وقندوز الشماليتين، صاروا متجمعين في ولاية بانشير. وهو عدد مشابه من المقاتلين الذين كانوا يوالون نائب الرئيس السابق من العرقية الطاجيكية عبد الرشيد دوستم، الموجود مع غالبية قواته في دولة أوزبكستان.
مناهضة طالبان
لكن الأكثر إثارة هو ما نقلته وكالة “نوفوستي” الروسية من معلومات عن تمكن قوات نائب الرئيس الأفغاني، عمر الله صالح، من استعادة منطقة جايكار الواقعة ضمن ولاية بروان وسط أفغانستان، ,استرجاعها من قبضة مقاتلي حركة طالبان.
الأجواء الداخلية في ولاية بنجشير لا تبدو واضحة حتى الآن. فوكالات الأنباء تخشى نقل ما يجري فعليا من استعداد، خشية السيطرة القريبة لحركة طالبان، وتاليا معاقبة مراسليها.
كما تحرص جميع الجهات والفاعلين على كتمان المساعي، والاستفادة من انشغال حركة طالبان بما يواجهها من ظروف ضاغطة في العاصمة كابل وباقي المدن الكبرى.
وحول أهمية وخصوصية بنجشير في هذا الإطار، قال الباحث والكاتب الأفغاني خوداده رزداري في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “من المعلوم أن ولاية بنجشير لم تسقط حتى الآن في يد مقاتلي طالبان، بالرغم من قربها من العاصمة كابول، التي لا تبعد أكثر من 150 كلم عنها”.
وأشار الكاتب إلى حدة التكاتف بين القيادات السياسية والعسكرية والقواعد الشعبية في تلك الولاية، التي يشكل أبناء قومية الطاجيك المناهضين بأغلبيهم لحركة طالبان كامل السكان.
ويضيف رزداري في حديثه مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “لكن العاملين الجغرافي والسياسي أهم بكثير من التكوين الأهلي للولاية. فبنجشير من أكثر مناطق أفغانستان استعصاء، بطبيعتها الجبلية وكهوفها الاستثنائية، وقد كانت المقاومة التاريخية التي أبداها سكانها تجاه الغزو الروسي شاهدا كبيرا على ذلك”.
ويردف: “المسألة الأخرى تتعلق بزعامة ومكانة أحمد شاه مسعود، وإلى حد بعيد نجله. فهذه العائلة بتاريخها وأدوارها السياسية هي زعامة متفق عليها بالمُطلق بين سكان تلك المنطقة، وهو أمر غير متوفر في مناطق أفغانستان، ويخلق عصبية وإجماعا يوازي الصلابة الداخلية التي توجد في حركة طالبان نفسها”.