التجسس وفن الحكم
وقال بيرنز في مطلع مقاله إن الدول لطالما احتفظت بأسرارها وحاولت حمايتها، لكن التجسس كان وسيظل جزءا لا يتجزأ من فن الحكم.
وأضاف بيرنز أن الاختبار الحاسم لوكالة المخابرات المركزية كان دائما توقع ومساعدة صناع السياسات على اجتياز التحولات العميقة في المشهد الدولي، واللحظات النادرة التي لا تأتي إلا بضع مرات كل قرن.
ويستشهد بيرنز على ذلك بالقول إن الولايات المتحدة تشهد اليوم واحدة من تلك اللحظات النادرة، والتي لا تقل أهمية عن فجر الحرب الباردة أو فترة ما بعد 11 سبتمبر، حيث يفرض صعود الصين والنزعة الانتقامية الروسية تحديات جيوسياسية هائلة في عالم يتسم بالمنافسة الاستراتيجية الشديدة.
وقال: “لم تعد الولايات المتحدة تتمتع بأولوية لا تقبل المنافسة، ومما يزيد الأمور تعقيدا حدوث ثورة في التكنولوجيا أكثر شمولا من الثورة الصناعية أو بداية العصر النووي، من الرقائق الدقيقة إلى الذكاء الاصطناعي إلى الحوسبة الكمومية، تعمل التقنيات الناشئة على تغيير العالم، ومن نواحٍ عديدة، تجعل هذه التطورات مهمة وكالة المخابرات المركزية أكثر صعوبة من أي وقت مضى، مما يمنح الخصوم أدوات جديدة قوية لإرباكنا، والتهرب منا، والتجسس علينا”.
وأضاف مديو وكالة المخابرات المركزية: “بقدر ما يتغير العالم، يظل التجسس عبارة عن تفاعل بين البشر والتكنولوجيا، ستظل هناك أسرار لا يمكن إلا للبشر جمعها، وعمليات سرية لا يمكن إلا للبشر القيام بها، ولكي تكون وكالة الاستخبارات المركزية جهازاً استخباراتيا فعالا في القرن الحادي والعشرين، يجب عليها أن تمزج بين التمكن من التكنولوجيات الناشئة ومهارات التعامل مع الناس والجرأة الفردية التي كانت دائما في قلب مهنتنا، وهذا يعني تزويد ضباط العمليات بالأدوات والحرف اللازمة لإجراء التجسس في عالم من المراقبة التكنولوجية المستمرة، وتزويد المحللين بنماذج ذكاء اصطناعي متطورة يمكنها استيعاب كميات هائلة من المعلومات مفتوحة المصدر والمعلومات المكتسبة سراً حتى يتمكنوا من تحقيق أفضل ما لديهم”.
ولفت بيرنز إلى التغير الحاصل في طبيعة عمل الوكالة حيث أصبح “رفع السرية الاستراتيجية“، أي الكشف العلني المتعمد عن بعض الأسرار لتقويض المنافسين وحشد الحلفاء، أداة أكثر قوة في أيدي صناع السياسات.
وأكد أن هذا وقت التحديات التاريخية لوكالة المخابرات المركزية ومهنة الاستخبارات بأكملها، حيث تشكل التحولات الجيوسياسية والتكنولوجية اختبارا كبيرا لم نواجهه من قبل، سوف يتطلب الأمر التكيف مع عالم حيث التنبؤ الوحيد الآمن بشأن التغيير هو أنه سوف يتسارع.
حرب أوكرانيا
وفي قسم آخر من مقاله تطرق الكاتب إلى الحرب الروسية الأوكرانية، معتبرا أن الرئيس فلاديمير بوتين جلب العار لروسيا وكشف نقاط ضعفها، وحملها الكثير من الخسائر عسكريا واقتصاديا.
وأكمل: حرب بوتين في أوكرانيا تؤدي بهدوء إلى تآكل سلطته في الداخل، وكان التمرد الذي بدأه زعيم فاغنر في يونيو الماضي، بمثابة لمحة عن ذلك، لافتا أنه رغم مقتل يفيغيني بريغوجين، لكن انتقاداته اللاذعة للأكاذيب وسوء التقدير العسكري وللفساد الكامن في قلب النظام السياسي الروسي، لن تختفي قريبا.
وتابع: لا أحد يراقب الدعم الأميركي لأوكرانيا عن كثب أكثر من القادة الصينيين، وتظل الصين المنافس الوحيد للولايات المتحدة الذي لديه النية في إعادة تشكيل النظام الدولي والقوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية للقيام بذلك، لقد كان التحول الاقتصادي الذي شهدته البلاد على مدى العقود الخمسة الماضية استثنائيا، إن القضية لا تتعلق بصعودالصين في حد ذاته، بل بالتصرفات التهديدية التي تصاحبه على نحو متزايد”.
حرب غزة
وتطرق مدير وكالة المخابرات المركزية إلى الحرب الدائرة في غزة قائلا إن هجوم 7 أكتوبر كان بمثابة تذكير مؤلم بتعقيد الخيارات التي لا يزال الشرق الأوسط يفرضها على الولايات المتحدة، وستظل المنافسة مع الصين هي الأولوية القصوى لواشنطن، لكن هذا لا يعني أنها تستطيع التهرب من التحديات الأخرى، وهذا يعني فقط أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تبحر بحذر وانضباط، وأن تتجنب الإفراط في التوسع، وأن تستخدم نفوذها بحكمة.
وأكد أن تجدد الأمل في سلام دائم يضمن أمن إسرائيل، وكذلك إقامة دولة فلسطينية، والاستفادة من الفرص التاريخية للتطبيع مع السعودية ودول عربية أخرى، أمور يصعب تخيل احتمالاتها وسط الأزمة الحالية، لكن من الصعب تخيل الخروج من الأزمة دون متابعتها بجدية.
وأضاف: “إن الولايات المتحدة ليست مسؤولة حصرياً عن حل أي من المشاكل الشائكة في الشرق الأوسط. ولكن لا يمكن إدارة أي منها، ناهيك عن حلها، من دون قيادة أميركية نشطة”.
وتابع: “مفتاح أمن إسرائيل والمنطقة هو التعامل مع إيران. النظام الإيراني استفاد من أزمة حرب غزة ويبدو أنه مستعد للقتال حتى آخر جندي من أذرعه المنتشرة في المنطقة بالتزامن مع تقوية برنامجه النووي ودعم العدوان الروسي”.
حقبة جديدة
قال بيرنز إنه كما كانت أحداث 11 سبتمبر إيذاناً ببدء حقبة جديدة لوكالة المخابرات المركزية، كذلك كان الغزو الروسي لأوكرانيا، أنا فخور للغاية بالعمل الذي قامت به وكالة المخابرات المركزية وشركاؤنا الاستخباراتيون لمساعدة الرئيس وكبار صناع السياسة الأميركيين – وخاصة الأوكرانيين أنفسهم – لإحباط بوتين”.