بدا في تلك المناطرة أن الرجلين يختلفان بعمق حول كافة القضايا الاقتصادية الحيوية التي تشغل الشارع الأميركي، إذ اختلف الاثنان أيضًا حول مسألة رفع الحد الأدنى للأجور من 7.25 دولارًا للساعة حاليًا، فقال ترامب إنه يجب ترك الأمر للحكومة، وقال بايدن إنه يجب أن يكون الحد الأدنى للأجور 15 دولارًا في الساعة.
وبرغم احتدام المعركة التي أصبحت نتيجتها وشيكة، إلا أن السؤال الأساسي والمهم الذي يطرحه الناس هنا هل سيتحسن الوضع الاقتصادي مع انتهاء المعركة الانتخابية أم أن الأمور ستبقى على حالها؟
وفي حديث خاص لموقع سكاي نيوز عربية مع المرشحة المستقلة لمقعد العمدة في مقاطعة براورد والمقربة من الحزب الجمهوري، تقول جينيفير إيزاغيري: بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الرئاسية لا شيء يضمن تحسن الوضع الاقتصادي بعد الانتخابات الرئاسية، فالأمور ستبقى على حالها. وبسبب فيروس كورونا اقتصادنا تراجع كثيرا و ولا يمكن أن يتحسن بين ليلة وضحاها فقط لأن الجمهوريين أو الديمقراطيين يريدون ذلك. ما على الرئيس المقبل فعله هو دعم الشركات المحلية الصغيرة وبذلك نضمن تعافي الاقتصاد.
وتضيف : “إدارة الرئيس دونالد ترامب اتخذت إجراءات مهمة في محاولة لمساعدة الشركات والموظفين وحتى العاطلين عن العمل، ولكن كل هذه الإجراءات لا تزال أقل مما هو مطلوب، ولذلك المطلوب من الولايات بأن تخصص ميزانيات للمساعدة “.
يحدثنا ستيوارت ريملاند محامي وناشط سياسي مقرب من الحزب الديمقراطي يقول: “أعتقد أنه إذا ما فاز جو بايدن فإن آفاق الاقتصاد ستكون أقوى بكثير والتعافي الاقتصادي للولايات المتحدة سيكون أسرع بكثير ، في ظل إدارته . اذ لايمكن القيام بأي إصلاح اقتصادي حتى تتم معالجة جائحة Covid-19 وجو بايدن يدرك ذلك.
وفي غضون ذلك ، ترفض إدارة ترامب الاستماع إلى العلماء وتحديداً علماء الأوبئة ، وتقف ضد الاختبارات الجماعيةوارتداء الأقنعة، وليس لديها خطة للسيطرة على الوباء، مما يعني استمرار معاناة الشركات الصغيرة والاقتصاد.”
يضيف ستيوارت : “لدى بايدن خطة لاحتواء الوباء، من خلال الاستماع إلى العلماء وتشجيعهم على استخدام القناع والتباعد الاجتماعي. فيما لم تظهر إدارة ترامب أي قدرة على تمرير مشروع قانون الإغاثة من فيروس كورونا. ويرجع ذلك أساسًا إلى أن إدارة ترامب تهتم أكثر بإعطاء المزيد من التخفيضات الضريبية للشركات الكبرى الثرية من اهتمامها بمساعدة الأميركيين الذين يحتاجون إلى الإغاثة من أجل الغذاء والمأوى. إن مشروع قانون الإغاثة الذي اقترحه الديمقراطيون برفع الحد الأدنى للأجور، بالفعل من شأنه أن يعطي حقناً مباشراً للدخل للمستهلكين وسيفيد الاقتصاد بشكل كبير أيضًا. أنا واثق من أنه مع وجود كونغرس ديمقراطي، يمكن أن يحصل جو بايدن على مشروع القانون هذا، مما يعطي الراحة للأميركيين الذين يحتاجون إليه حقًا”.
وتشير البيانات على مر التاريخ، إلى أن تقلّب سوق الأسهم يميل إلى الارتفاع في الأشهر التي تسبق الانتخابات الأميركية، ويعود ذلك إلى حالات عدم الاستقرار السياسي، وإعادة التقييم المستمرة لاستطلاعات الرأي، وتوقعات السوق.
وفي مجمل القول، يدعم تقدّم المرشح الجمهوري أسعار الأسهم، إذ يفضّل الجمهوريون عادة السياسات التي تزيد من أرباح الشركات، وأرباح المساهمين. وفي المقابل، يحظى تقدم المرشح الديمقراطي بتأثير معاكس في أسعار الأسهم، إذ يركّز الديمقراطيون عادة على إعادة توزيع الثروة، والحقوق، والمنافع الاجتماعية.
علاوة على ذلك، تحقق الأسواق عادة أداءً أفضل عند بقاء الرئيس الحاكم في منصبه لعهد ثانٍ. ويعود الأمر في ذلك من جديد إلى المزيد من الوضوح، ويمكن أن يكون للتحوّل من حكومة جمهورية إلى ديمقراطية تأثير سلبي في أسعار الأسهم، لأن المستثمرين يأخذون في الاعتبار التغييرات غير الملائمة للأعمال، على غرار التنظيمات الأكثر صرامة، والضرائب المرتفعة على الشركات، وما إلى ذلك.
غير أنّ الأوضاع مختلفة هذه المرّة. فالاقتصاد الأميركي يواجه ركوداً غير مسبوق بسبب جائحة عالمية خربت الأعمال على كل المستويات. وتوجّه انتقادات كثيرة إلى دونالد ترامب لسوء إدارته لأزمة الصحة العامة التي جعلت من الولايات المتحدة الأميركية البلد الأكثر تأثراً بالجائحة في العالم.
ومع ما يناهز 15 مليون عاطل عن العمل، ودين حكومي يرتفع بسرعة جنونية، لم يخرج الاقتصاد الأميركي من مرحلة الخطر بعد، على الرغم من أن التصحيح بشكل V في أسواق الأسهم الأميركية لا يعبر عن حقيقة أساسيات الاقتصاد الفعلي التي تتناقض مع ما يجري في الواقع.
وبحسب مجلة “فوربس” يعدّ سوق الأسهم والاقتصاد مؤشرين أساسيين لمَن يفوز في الانتخابات الرئاسية، وتشير إلى أن تفادي الركود في السنتين اللتين تسبقان الانتخابات مؤشر أساسي لإعادة الانتخاب. ففي القرن الماضي، تمت إعادة انتخاب الرؤساء الذين نجحوا في تفادي الركود خلال فترة السنتين هذه.
كذلك، كان الأداء الإيجابي في مؤشر “ستاندرد أند بورز 500” خلال الأشهر الثلاثة التي تسبق الانتخابات إشارة مهمة للغاية إلى أن الرئيس الحالي سيُعاد انتخابه، فيما يشير أداء سلبي لهذا المؤشر إلى أن حكومة جديدة ستستلم زمام الأمور. ووفقاً لمجلة “فوربس”، فإن أداء هذا المؤشر كان متوافقاً بنسبة 87% مع نتائج الانتخابات الرئاسية منذ عام 1928، و100% منذ عام 1984.
ولكن في الماضي، كان أداء سوق الأسهم متماشياً نوعاً ما، مع الوضع الاقتصادي، ومن الواضح جداً أن الوضع مختلف هذه السنة. فقد طالب دونالد ترامب باستمرار بتخفيف قيود السياسة النقدية التي يعتمدها الاحتياطي الفيدرالي، وكانت هذه السياسة السبب الأساسي لتحقيق أرقام قياسية في الأسهم الأميركية. فقد ضخت حزم التحفيز النقدية والمالية الضخمة كمية هائلة من السيولة في الأسواق المالية، ما أدى إلى التعافي الأسرع في أسعار الأسهم بعد دخول سوق في حالة هبوط. في غضون ذلك، تُرك الاقتصاد الحقيقي خلف فورة السوق، ولم يشهد سوى تعافٍ معتدل.
وبالتالي، إذا نظرنا إلى حالة الاقتصاد الحقيقية، نجد أنّ دونالد ترامب في وضع صعب، لأنّه كان ضحية الركود. وفي حال أعيد انتخابه، ستحتفل “وول ستريت” على الأرجح على المدى القصير، لكن على المدى الطويل، ستكون المعايير الاقتصادية الأساسية هي من سيحدد حجم التأثير. ولا شكّ في أنّ انتخابات عام 2020 ستسلّط الضوء على ما الذي يهم المقترعين الأميركيين أكثر: هل سيكون أداء سوق الأسهم، أم الاقتصاد الحقيقي؟
يقول راين ديتريك كبير المحللين الإستراتيجيين في إب بي إل فايننشال “lpl financial” إن أداء الأسهم عادة ما يكون أفضل في العام الذي يلي الانتخابات الرئاسية، إذا ما فاز ساكن البيت الأبيض بولاية ثانية، لا عندما يستلم المهام رئيس جديد”.
ولكنه يؤكد “أن الاقتصاد هو العامل الأساس في نتيجة الانتخابات الرئاسية، فالتاريخ يشهد أنه عندما يحدث ركود اقتصادي خلال العامين السابقين للانتخابات، فإن الرئيس الحالي يميل إلى الخسارة. اما ان لم يكن هناك ركود خلال تلك الفترة، فإن شاغل الوظيفة يميل إلى الفوز. فمثلاً عندما فاز الرئيس كالفين كوليدج عام 1924، على الرغم من الركود ما قبل الانتخابات. فقد نجح فقط لانه ورث الركود عن الرئيس الأسبق وارن هاردينغ “.
يضيف ديتريك :”سيتعين على ترامب التغلب على هذه الإشارة التاريخية للفوز وإن تغلب عليها سيثبت أن هذه اللإشارة التي كانت مؤشرا هاما طوال 100 عام إنما هي إشارة خاطئة.”
وأظهرت استطلاعات الرأي أن جو بايدن يتفوق على دونالد ترامب، ولو أن تقدمه تراجع بحدة منذ شهر يونيو. لكن لا تشهد الأسهم الأميركية أي توتّر بفعل تفوق بايدن. المستثمرون مقتنعون بأن جائحة «كوفيد-19» ستحمي بطريقة ما، مكاسبهم الرأسمالية، حتى ولو كانت الحكومة ديمقراطية.
من ناحية أخرى، حتى لو فاز بايدن وتسلم الديمقراطيون الحكومة، وأدى ذلك إلى رد فعل سلبي، وانخفاض 2-3% في مؤشرات الأسهم الأميركية، تطمئننا البيانات على مدار التاريخ، بأن بيع الأسهم التلقائي كان قصير المدة، وتعافت الأسهم في السنة التي تلت، بغض النظر عن الفائز.
من جهة أخرى، بدأ زخم الذهب يضعف، ومع أننا لا نتوقع انخفاضاً كبيراً، قد يبقى التداول متقلباً.
أمّا في ما يتعلّق بالدولار الأميركي، وعلى الرغم من أننا لا نتوقع أي تغيير في السياسة النقدية الأميركية، إلا أنه قد يبدأ باستعادة الثقة في حال فاز بايدن بالانتخابات، وتبدأ العوائد الأميركية باجتذاب المستثمرين من جديد.