استقالة وزيرة الداخلية البريطانية التي عزتها إلى أسباب شخصية ومخالفة فنية للقواعد، تضمنت أيضا “مخاوف جدية” إزاء التزام الحكومة باحترام الالتزامات التي تعهدت بها للناخبين خلال الانتخابات الأخيرة.
الاستقالة تأتي بعد 5 أيام من إقالة وزير المالية كواسي كوارتنغ، عقب أزمة الموازنة المصغرة وقرارات خفض الضرائب، ونحو أسبوعين من إقالة وزير السياسة التجارية كونور بيرنز، إثر ادعاءات بارتكابه “سلوكا جسيما غير لائق”.
تتولى تراس رئاسة الحكومة منذ 6 سبتمبر الماضي، وكانت آخر رئيسة وزراء في عهد الملكة الراحلة إليزابيث الثانية التي توفيت في 8 من الشهر ذاته.
سيل من الانتقادات
الأربعاء، دافعت تراس، عن نفسها داخل البرلمان وسط سيل من الانتقادات، بعدما اضطرت للتراجع عن برنامجها الاقتصادي، بينما أكدت أنها “محاربة وليست الشخص الذي ينسحب”.
تراس، التي تراجعت شعبيتها أكثر من أي وقت وتواجه اعتراضات من داخل غالبيتها، كانت صامتة بعد 6 أسابيع على دخولها إلى داونينغ ستريت، وخرجت عن صمتها فقط لكي تعتذر في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” بعد تراجعها المذل عن خطة خفض الضرائب الموعودة.
تعود الأزمة إلى تقديم “الموازنة المصغرة” في نهاية سبتمبر من قبل وزير ماليتها آنذاك كواسي، كوارتينغ، والتي تتضمن خفض ضرائب بشكل كبير ودعما قويا لفواتير الطاقة، الأمر الذي أثار مخاوف من تراجع الحسابات العامة، حيث سجل الجنيه الإسترليني تراجعا إلى أدنى مستوياته وارتفعت معدلات الاقتراض الحكومي الطويل الأجل، قبل أن يتدخل بنك إنجلترا لمنع الوضع من التحول إلى أزمة مالية.
تشبث بالسلطة
في محاولة لتهدئة العاصفة الاقتصادية والسياسية، اضطرت رئيسة الوزراء لتعيين وزير مالية جديد هو جيريمي هانت، لإصلاح برنامجها الاقتصادي وطمأنة الأسواق حيال خطة موازنة الحكومة.
أعلن هانت العودة عن كل التخفيضات الضريبية التي وعدت بها رئيسة الوزراء، وحذر من أنه يجب الادخار في الإنفاق العام، مثيرا شبح عودة التقشف كما حصل بعد الأزمة المالية في 2008.
وقبل سنتين من الانتخابات البرلمانية المقبلة، تتقدم المعارضة العمالية على المحافظين في استطلاعات الرأي.
حزب المحافظين حائر بشأن البديل
المحلل السياسي، جورج آدموند، قال إنه رغم استمرار تراس في السلطة فإنها لا تملك النفوذ الذي يجب أن يكون فيمَن يكون رئيسا لوزراء بريطانيا بعد الاعتذار والتراجع المهين في القرارات التي كانت جزءا من برنامجها الانتخابي، خاصة خفض الضرائب، وهو ما يعني فشلا لخطتها الاقتصادية أمام البريطانيين.
وأضاف آدموند، لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن تراس في محاولة للتشبث بالسلطة ضحت بحليفها وزير المالية لإنقاذ ماء الوجه، ورغم الإطاحة فهي ليست في مأمن، فلا أي أمر يشغل اهتمامات البريطانيين في هذه الأيام غير الأزمة الاقتصادية في ظل ارتفاع التضخم لأعلى مستوى خلال 4 عقود ماضية.
وأوضح أنه نظريا وبموجب قواعد الحزب، فإنها في مأمن من أي خطوة رسمية للعزل لمدة عام، إلا أنه يمكن استثناء تغيير القواعد إذا كانت رغبة نسبة من مشرعي المحافظين أو الضغط عليها للاستقالة، لكن حال تم التوافق على بديل قوي، فالحزب يخشى الانهيار في ظل الانتكاسات المتلاحقة لرؤساء الحكومات.
وأوضح أن حزب المحافظين في ورطة، فالإطاحة الفورية بتراس تعني انتحارا وكارثة للمحافظين، حيث أظهرت استطلاعات الرأي تراجع شعبيته لصالح حزب العمال المعارض، وفي ذات الوقت هناك مخاوف من استمرارها، ما يزيد تأزم أوضاع الحزب قبيل الانتخابات المقبلة والتي تتصاعد فيها فرص حزب العمال.
ولفت إلى أن هناك دعما من قبل السير غراهام برادي، رئيس لجنة حزب المحافظين، التي تنظم انتخابات القيادة، حيث يدعم إعطاء فرصة لتراس بالمشاركة مع وزير المالية الجديد جيرمي هانت، لوضع استراتيجية اقتصادية في ظل تأييد بنك إنجلترا لمقترحات هانت على عكس الانتقادات التي طالت كوارتنغ وتراس من قبل.