وكشفت مؤسسة “فوندابول”، وهي أحد مراكز التفكير النافذة في البلاد، أن فرنسا قد تعرضت لنحو 44 بالمئة من الهجمات الإرهابية التي نفذتها الجماعات المتشددة في القارة الأوروبية، وتضم 42 بالمئة من مجموع الضحايا.
وتشير المؤسسة البحثية في دراسة استقصائية عن هجمات المتشددين في العالم بين عامي 1979 و2000، إلى أن المجموعات المتطرفة قد نفذت حوالي 2190 هجوما، وتسببت في مقتل 6818 شخصا خلال هذه الفترة في أنحاء العالم، من دون اعتبار الجرائم التي ارتكبت في ساحات الحروب.
ويقول الأستاذ الجامعي مدير مركز “فوندابول” للأبحاث دومينيك رينيه، إن هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 مثلت نقطة تحول جديدة من خلال تكريس “عولمة الإرهاب”، وهي تشكل أعنف مجموعة من الهجمات في تاريخ الإرهاب حتى الآن، و”بحسب معطياتنا هناك تكثيف لظاهرة عنف المتشددين بين عامي 2001 و2013، حيث ارتفع عدد الهجمات بمقدار 4 أضعاف (8264)، وأكثر من 6 أضعاف في عدد الضحايا مقارنة بالفترة السابقة (38186)”.
ويتابع رينيه في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “في السنوات العشرين الماضية، لم تتضاعف الهجمات فحسب، بل أصبحت أيضا أكثر فتكا، ويعزى ذلك إلى حد كبير في البداية إلى ظهور مجموعات مثل القاعدة، ثم مؤخرا تنظيم داعش وبوكو حرام. هذه الجماعات تضع الوحشية في قلب نموذجها الأيديولوجي. وقد أكد ذلك أبو جهاد المصري، أحد المسؤولين التنفيذيين في القاعدة، في نص بعنوان (إدارة التوحش)”.
وأشار إلى أن “الجماعات الإرهابية تعمل بقوة على تطوير أساليب عمل جديدة، على سبيل المثال من خلال تحريض الأفراد على العمل بمفردهم لا سيما من خلال الهجمات الانتحارية المميتة بشكل خاص، فيما أصبح يعرف بالذئاب المنفردة”.
وأضاف رينيه: ” يجب أن نفرق جيدا بين الإسلام باعتباره دين وعقيدة ونظام فردي أو جماعي، وبين (الإسلاموية) وهي الأيديولوجية السياسية المعيارية التي تتضمن البرنامج المركزي لتأسيس الإسلام على أنه دين الدولة، ومنها يتفرع إسلام سياسي وإسلام متشدد، يشتركان في الهدف ويختلفان في الوسائل فقط”.
لكن لماذا كانت فرنسا الأكثر تضررا؟
تؤكد الدراسة الاستقصائية المسحية أن فرنسا هي الدولة الأكثر تضررا في أوروبا من ظاهرة الإرهاب، حيث سجلت 80 هجوما و330 وفاة بين 1979 وفبراير 2021، وفقا لآخر تحديث.
ومن بين جميع دول الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك بريطانيا، تلقت فرنسا وحدها ما يقرب من 44 بالمئة من الهجمات الإرهابية التي نفذتها مجموعات متطرفة، وسقط بها 42 بالمئة من الضحايا.
ومنذ الهجمات التي ارتكبها محمد مراح في 11 مارس 2012 حتى اليوم، هناك 56 هجوما متطرفا في فرنسا أودت بحياة 293 شخصا، من بينهم 18 طفلا ومراهقا، ونصف هذه الهجمات ينفذها تنظيم “داعش”.
ويعتقد رينيه أن فرنسا “تدفع ثمن وجودها في العالم، خاصة انتشارها العسكري في الخارج”، ويقول: “نحن إحدى القوى الديمقراطية الثلاث، إلى جانب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ننشر القوات خارج حدودنا الوطنية لا سيما لمحاربة الجماعات المتطرفة، كما هو الحال في مالي”.
ويتابع: “هناك أيضا بلا شك تأثيرات ماضينا الاستعماري، رغم أن العديد من الدول الأوروبية قد تأثرت بهجمات المتطرفين من دون مشاركة هذا الماضي، مثل ألمانيا أو الدنمارك أو السويد أو النمسا على سبيل المثال”.
ويرى رينيه أن “الإرهاب أصبح أكبر تهديد للديمقراطية في أوروبا وفي فرنسا، حيث تعمل الجماعات المتطرفة على مهاجمة مؤسسات النظام (الشرطة والجيش والعدالة)، وهذا النوع من الهجمات يخلف تأثيرا نفسيا مبالغا فيه لدى المواطنين. لهذا السبب برأيي وصلت أعلى نقطة للخوف الجماعي في 3 أكتوبر 2019، أثناء الهجوم على مقر قيادة شرطة باريس”.
وأضاف: “في مواجهة هذا العنف العشوائي تسود حالة من الذهول والاكتئاب، ثم الخوف والمطالب السياسية التي يتم التعبير عنها في شكل رغبات للقمع والسيطرة والمراقبة والطرد، وإغلاق الحدود في وضح النهار”.
وكانت وزارة الداخلية الفرنسية قد كشفت في وقت سابق عن وجود أكثر من 8 آلاف شخص مسجلين حتى الآن في “ملف الإنذارات”، لمنع التطرف الإرهابي في البلاد.
وقال وزير الداخلية جيرالد دارمانين: “رغم الهزيمة العسكرية لتنظيم داعش، فإن التهديدات الإرهابية الخارجية، حتى لو تضاءلت، ينبغي أن تظل موضوع اهتمامنا الكامل. لكن تبقى التهديدات الداخلية هي الأقوى والأكثر أهمية، وإن كانت تتغذى من دعاية الجماعات الإرهابية في الخارج، وخاصة من تجارب قدامى الجهاديين، لكن أيضا من خلال العقيدة التي يسعى أنصار التطرف لنشرها في بعض أحيائنا”.
ومنذ مقتل المدرس صامويل باتي في أكتوبر الماضي، لم تتوقف الإجراءات الفرنسية لمناهضة ما تسميه بـ”التطرف والانفصالية”، مما يوحي بأن حملة باريس ضد الجماعات المتطرفة لن تتوقف عند بعض الإجراءات الإدارية، علما أنها شملت ترحيل متطرفين وإغلاق عدد من مساجد ووضع قانون لمجابهة “الانفصالية الإسلاموية”.