سيطرت تلك التحديات المتنامية في ضوء جملة المتغيرات الراهنة، بخاصة الأمنية والصحية، على أجواء القمة الإفريقية الـ34، والتي انطلقت، السبت، افتراضياً بسبب ظروف تفشي فيروس كورونا. وتسلم خلالها رئاسة الاتحاد الإفريقي رئيس الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسكيدي من نظيره الجنوب إفريقي.

وتفرض عدة ملفات مرتبطة أساساً بقضايا الأمن في القارة السمراء نفسها على طاولة القادة الأفارقة، بداية من القضايا المحليّة المُلحة التي تواجهها كل دولة على حدة، من بينها قضايا الفقر في بعض دول القارة، وحتى القضايا الإقليمية المتشابكة والمعقدة، ومنها الأزمة في ليبيا، التي تخطو بخطوات مصيرية نحو المستقبل، مروراً بسلسلة من القضايا شديدة التعقيد، منها ملف الأزمات الحدودية وتداعياتها على الأمن في القارة السمراء.

ذلك بخلاف ملفين رئيسيين يفرضان نفسهما على قضايا الأمن والاستقرار في القارة السمراء وعلى أجندة أولويات الاتحاد، الذي رفع في العام 2020 شعار (إسكات البنادق)، الأول: ملف أزمة سد النهضة الإثيوبي، وهي الأزمة الممتدة منذ العام 2011 وحتى الآن، والتي تضع الاتحاد الإفريقي في مأزق شديد بعد أن لم تتوصل جهوده لحل ناجع يفضي إلى تفاهمات بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) منذ تدخله في الملف. والثاني: ملف الإرهاب الذي يغرق القارة الإفريقية ويُهدد بمزيد من التوترات الأمنية المتصاعدة، مع لجوء عديد من التنظيمات الإرهابية إلى إفريقيا كملاذ آمن بعد الخسائر التي مُنيت بها تلك التنظيمات في مناطق أخرى، بخاصة في سوريا والعراق.

6 ملفات رئيسية

وإجمالاً، يُرصد المفكر الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، ستة ملفات رئيسية مُرتبطة بقضايا الأمن في القارة الإفريقية، يتقدمها ملف جائحة كورونا، بما له من انعكاسات على الأمن القومي لدول القارة، مؤكداً أن “فيروس كورونا يعتبر من ملفات الأمن القومي للدول الإفريقية حالياً، لا سيما لتفاوت القدرات المالية للحصول على اللقاحات واتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية وعلاج المواطنين، بما لذلك من تداعيات شديدة”.

الملف الثاني، هو ملف مشكلات الأمن الداخلي في القارة الإفريقية، وعلى رأسها قضية أزمة سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا، وفق فرج، الذي يتحدث أيضاً عن ملف النزاعات الحدودية باعتباره من بين أبرز الملفات الأمنية ذات الأولوية على طاولة الاتحاد الإفريقي، وعلى رأسها قضية النزاع بين السودان وإثيوبيا حالياً.

أما الملف الرابع ضمن الملفات الأمنيّة ذات الأولوية بالقارة السمراء، فمرتبط بقضايا الإرهاب الذي يُهدد عديداً من الدول الإفريقية، إذ “ما زالت الجماعات الإرهابية تتواجد بشكل كبير في إفريقيا، سواء بوكو حرام في نيجيريا أو حركة الشباب الصومالية، وغيرهما”.

ومن بين أبرز الملفات الأمنية كذلك يأتي ملف التعامل مع الأزمة الليبية، باعتبارها واحدة من أخطر الأزمات الإقليمية والدولية، ولها تداعيات أمنية شديدة.

ويقول فرج، وهو مدير إدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة المصرية سابقاً: “المشكلة الليبية من أهم المشاكل التي تواجه منظمة الاتحاد الإفريقي، لا سيما بعد انتخاب سلطة تنفيذية جديدة، وترقب مدى قدرتها على إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر المقبل، ثم مدى قدرة المجلس الرئاسي الجديد على طرد المرتزقة والقوات التركية المتمركزة في القواعد العسكرية في ليبيا“.

سادس تلك الملفات -بحسب اللواء سمير فرج- هو ملف الأزمات المحلية داخل دول القارة، باعتبارها مرتبطة بشكل مباشر بالأمن القومي، لا سيما قضية الفقر في عديد من الدول الإفريقية، وحاجة تلك الدول لزيادة الاستثمارات الخارجية، خاصة من الدول السبع الكبرى.

تساؤلات

وفي الأثناء، تدور تساؤلات حول مدى قدرة الاتحاد الإفريقي على التعاطي إيجابياً مع تلك التحديات الأمنية، لا سيما مع تصاعد تلك التحديات خلال العام الماضي الذي تبنى فيه الاتحاد مبادرة شعارها (إسكات البنادق) دون أن ينعكس ذلك بشكل مباشر وواضح على الأوضاع الأمنية بالقارة التي شهدت في أول ستة أشهر من العام 2020 نحو 1168 هجوماً إرهابياً، بحسب تقديرات دولية، وذلك بزيادة بلغت 18 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من العام 2019.

يعتقد المحلل السياسي السوداني، محمد علي فزاري، بأن الاتحاد قادر على أن يقوم بدورٍ إيجابي فيما يتعلق بالملفات الأمنية. ويقول في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية”، إنه “يمكن أن تُحدث قمة الاتحاد الإفريقي اختراقاً كبيراً فيما يتعلق بالتعاون الأمني بين بلدان القارة ومكافحة الإرهاب، ليس فقط لأن ذلك ضمن أجندة القمة؛ بل لأنه من معضلات النهوض بالقارة الإفريقية”.

ويشير إلى أنه “يُمكن للاتحاد -برئاسة الكونغو الديمقراطية– أن يسهم بفاعلية في حل الأزمات الأمنية بالقارة؛ لأن هذه القمة تأتي استكمالاً لشوط القمة الماضية، إسكات البنادق في إفريقيا، ويمكن أن يحدث ذلك إذا تعاونت الدول الإفريقية مع بعضها البعض”.

فيما يشكك آخرون في مدى إمكانية أن يتعاطى الاتحاد بإيجابية مع تلك التحديات، لا سيما أن بعضها مرتبط بتداخلات إقليمية ودولية، ومشكلات معقدة، مثل قضية الإرهاب. يدعم ذلك التشكيك عدم نجاح الاتحاد خلال العام الماضي في اتخاذ خطوات إيجابية بملف سد النهضة، بعد أن حصل عليه من مجلس الأمن باعتباره ملف أفريقي يُحل إفريقياً.

ملف الإرهاب

وفي هذا الصدد، يعتقد الباحث والخبير في شؤون الجماعات المتطرفة، منير أديب، بأن ملف مكافحة الإرهاب -باعتباره أبرز الملفات الأمنية في القارة السمراء- هو “أكبر من الاتحاد الإفريقي، ويضاف إلى ذلك أن المجتمع الدولي لم يبذل جهوداً حقيقية نستطيع أن نقول إنه تمكن من العمل من خلالها على مكافحة الإرهاب بالقارة”.

ويلفت أديب، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، إلى أن “تحديات الإرهاب في القارة الإفريقية قد تكون أكبر من الجهود المبذولة في مواجهة هذا الإرهاب؛ لأسباب مختلفة ربما ترتبط بطبيعة القارة، سواء الجغرافية أو حتى السياسية، والمحصلة النهائية أن الإرهاب بات ينتشر ويتمدد داخل القارة أكبر من غيرها، علاوة على أن هناك مؤشرات عديدة تؤكد على أن تنظيم داعش الإرهابي يبحث عن بديل له على الأرض ربما داخل هذه القارة”.

ويوضح أن “من بين الأسباب التي تدفع لتمدد الإرهاب داخل إفريقيا، الصراعات السياسية بالنسبة لعدد من الدول، وكذلك عدم وجود رقابة حقيقية بكثير من تلك الدول، ما يدفع إلى سهولة تنقل المتطرفين من عاصمة لأخرى دون تعقب، فضلاً عن ضعف بعض الأنظمة السياسية وكذلك ضعف التنمية، وعدم انتباه المجتمع الدولي لخطورة الإرهاب في القارة”.

skynewsarabia.com