تعرف الإنتاجات التلفزيونية باللغة الأمازيغية تطورا سنة عن سنة، لكن على الرغم من ذلك تبقى ضئيلة مقارنة مع نظيراتها بالدارجة المغربية.
جمال أبرنوص، باحث وناقد أمازيغي، تحدث ضمن هذا الحوار مع هسبريس عن ضعف هذه الإنتاجات مما لا يسمح باكتسابها الجودة المطلوبة، ودعا إلى إعطاء الإنتاج الأمازيغي وضعية من التمييز الإيجابي.
ما تقييمكم لمستوى الإنتاجات التلفزيونية الأمازيغية هذه السنة؟
أول ما يجب استحضاره قبل الحديث عن التقييم، هو ضعف الإمكانات المرصودة للإنتاج التلفزي الأمازيغي الذي لا يسمح بتسريع وتيرة إكسابه الجودة والاحترافية المطلوبتين، لكن ذلك لن يمنعني من القول إن مستوى إنتاج هذه السنة جاء دون سقف الانتظارات عموما، ودون ما تتيحه حتى هذه الإمكانات، رغم محدوديتها. أما إذا شئت الحديث ببعض التخصيص والتفصيل، فيجدر أن أقول إن المستوى الفني لهذا الإنتاج يختلف من عمل إلى آخر، بل إن عناصره تتفاوت حتى داخل العمل الواحد، سواء في فئة البرامج أو في فئة الأعمال الدرامية.
هنالك إنتاجات مستساغة تقوم على مقدار ملحوظ من الإبداعية على مستويات مختلفة، في مقابل أعمال أخرى شديدة الرداءة، تدفع أي متتبع عاقل إلى التساؤل عن المبررات التي دفعت الجهة المسؤولة إلى دعمها وإجازة بثها عبر القناة. ثم إن مقدار الإبداعية الذي يميز الفئة الأولى لا ينسحب، في حقيقة الأمر، على كل عناصرها الفنية، بل يلامس مستويات فنية بعينها.
نحن، باختصار، إزاء بروز احترافيات أكبر في مضمار التصوير والمونتاج وتقنيات الإخراج المختلفة، بل وحتى على مستوى التشخيص، أما غيرها من العناصر فما تزال بحاجة إلى كثير من الاجتهاد الفني، وإلى كثير من الحكامة الإنتاجية.
هل عدد هذه الإنتاجات معقول مقارنة مع الإنتاجات بالدارجة؟
ليس معقولا بكل تأكيد، بل إن وتيرة زيادته السنوية بطيئة أيضا، حتى إنها تعطي الانطباع بأن منسوب الإرادة لدى القائمين على الشأن الإعلامي والسياسي ما يزال دون الآفاق التي فتحها الدستور الجديد. أفترض أن المطلوب فعله، بعد عقود التهميش المؤسسي الطويلة، هو إعطاء الإنتاج الأمازيغي وضعية من التمييز الإيجابي، لعلها تدفعه إلى استدراك بعض ما ضاع منه، ولعله يقلص، من خلالها، مسافته عن الإنتاج المغربي العامي. وهو تمييز ينبغي أن يتأسس بطبيعة الحال على دعم أكبر، شريطة أن يتم إقرانه برقابة مؤسسية تتابعه طيلة مراحل الإنتاج.
ما موقع الإنتاج الدرامي بالأمازيغية ما دامت الإنتاجات بالعربية موضع انتقادات بالجملة في كل رمضان؟
لست في موضع يسمح لي بالقياس الدقيق لأوجه التلقي، ولا معرفة أوجه الصدى التي خلفها الإنتاج الدرامي الأمازيغي الذي تبثه القناة الأمازيغية خلال هذا الشهر. لكني أتابع، عبر وسائط مختلفة، مواكبات تخص بعض الإنتاجات الدرامية أحيانا، أو تتناول الإنتاج الأمازيغي الدرامي الرمضاني في شموليته أحيانا أخرى؛ بعض هذه المواكبات عبارة عن كتابات صحافية لا تخفى مهنيتها واستقلاليتها عن أي جهة ذات صلة بسلسلة الدعم الإنتاجي، وبعضها كتابات انطباعية مدفوعة بمحركات غير ذات صلة بمضمار الفن والإبداع. لكن الذي أستطيع قوله عموما هو هيمنة الاعتبارات الذاتية في تلقي الأعمال الدرامية، ووجود حساسية مفرطة تجاه كل تقييم سلبي لمستوى الإنتاجات.
المسألة ببساطة مرتبطة بأرباح مادية تجنى في عملية الإنتاج، وحيث يوجد المال، توجد المقاومات ويرفض الانتقاد. وإن كان من الضروري أن أؤكد هنا أن الأمر ليس حكرا على الإنتاج الأمازيغي، ولكنه يمس كثيرا من أوجه الإنتاج الفني المغربي الذي يقوم على أساس الدعم المادي المؤسسي.
هل يمكن أن تنافس الإنتاجات الدرامية الأمازيغية الأعمال بالدارجة؟
أفضل أن أكون واقعيا في هذا الصدد. مسألة التنافس تقتضي تقاربا في الخبرة والإمكانيات المرصودة، وهذا أمر غير حاصل كما أسلفت، ثم إن التنافس غير ممكن، راهنا على الأقل، لأن الإنتاج الدارجي يتوجه إلى جمهور مغربي أرحب من نظيره الأمازيغي؛ إذ يشمل حتى الجمهور الناطق بالأمازيغية، لأن نسبة مهمة من الجمهور الأخير ناطقة بالدارجة أيضا، بخلاف الإنتاج الدرامي الأمازيغي الذي يستهدف بالأساس جمهورا ناطقا بالأمازيغية فقط. هذا المعطى السوسيولساني حقيقة صلبة تنكسر فوقها أمنية بلوغ التنافس. نعم، يمكن لعمل أو اثنين أن يحققا نسبة مشاهدة كبيرة أو أن يثيرا جدلا في أوساط المشاهدين، كما حصل هذه السنة مع مسلسلي “ماغريضو” و”بابا علي”، لكن ذلك يظل حبيس التلقي الأمازيغي، وقلما يخرج عن دائرة التلقي هذه.
هل يمكن القول إن الإنتاجات الأمازيغية تعرف إكراهات؟ وما هي؟
نعم، بكل تأكيد. أظن أن أكبر حاجزين يعيقان تطور هذه الإنتاجات، علاوة على محدودية الدعم الذي توفره الدولة، هما: أزمة السيناريو ومعضلة تدبير دعم الإنتاج. أحاول أن أستوعب المبررات التي تدفع الهيئة الداعمة إلى قبول دعم سيناريوهات غير مكتوبة بالأمازيغية، وهي تعلم أن هذه السيناريوهات قد تم تقديمها قبلا، وربما مرارا، في ملفات طلب الدعم الخاص بإحدى القنوات المغربية الأخرى، أو غيرها، وأنها لم تحظ بقبول اللجان الموكل إليها اختيار المشاريع. ليس من المقبول، في تقديري، جعل القناة الأمازيغية ملاذا للسيناريوهات الهزيلة والفاشلة. ثم إن قبول سيناريوهات يكتبها غير ناطقين بالأمازيغية يدفعني، شخصيا، إلى مساءلة الهوية الثقافية لمثل هذه الإنتاجات. وأنا أقصد، هنا، أن السير بهذا المنطق غير السليم إلى أقصاه قد يدفع إلى الاعتقاد أنه من الأجدى الاكتفاء بدبلجة الأعمال المختلفة إلى الأمازيغية، عوض “هدر” ميزانيات في هذا الصدد؛ وهو أمر لا يقول به عاقل.
وفي موضوع السيناريو دائما، ألاحظ عموما غلبة التسرع واستسهال الكتابة في كثير من الأعمال، كما أقف مرارا على عدم امتلاك الكتاب شروط صياغة الحبكة والبناء الدراميين.
أما بخصوص الإنتاج، فالملاحظ أن الهاجس الإبداعي يحتل مرتبة متأخرة في سلم رهانات كثير من المنتجين، وأعني أن هؤلاء يحتكمون في تحديد اختياراتهم البشرية والتقنية إلى قاعدة “من وما الذي يسمح بتوفير وادخار أكبر مبلغ من ميزانيات الإنتاج؟”.
صحيح أن الأمر ينطبق على غير الإنتاج الأمازيغي، ولكنه في حالة الأمازيغية أكبر، وقد يأخذ أحيانا أوجها طريفة ومستفزة. ولعل ما يحفز هؤلاء على الإمعان في تطبيق القاعدة المذكورة هو محدودية إعمال الرقابة في هذا الصدد، وأعني هنا رقابة الهيئات المشرفة على الإنتاج في مراحله المختلفة، ورقابة المشاهدين والمتتبعين والنقاد.
ما السبيل لتطوير هذه الإنتاجات؟
هنالك سبل أراها متاحة أمام مرمى العين يمكن سلكها لتطوير هذه الإنتاجات، في مقدمتها الرفع من الاعتمادات المخصصة لها، وتمكينها من الشروط المادية نفسها المتاحة للإنتاجات المغربية بالدارجة، علاوة على تفعيل آليات رقابة مسيرة الإنتاج، المصاحبة والبعدية، والقطع مع مسألة السيناريوهات غير الأمازيغية لغة وثقافة.
أما السبل البعيدة لتجويد الإنتاج، من منطلق ما يمكن أن يتيحه مناخ سياسي إصلاحي طبعا، فتقوم على إصلاح شامل لمنظومة الدعم، في أفق ابتداع آليات مستجدة في هذا الصدد، لأن جوهر العطب القائم مرتبط، في حقيقة الأمر، ببنيات مركبة شكلت عناصرها، في ظل منظومة الدعم الجارية، شبكة علاقات قوية عصية على التغيير.