قالت أحزاب المعارضة في مجلس النواب إن المشرع، في مراجعته لطريقة احتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية، تصرف في مجال محفوظ له دستوريا التشريع فيه، مضيفة أنه بقي في ممارسته لصلاحيته في الموضوع مُقيدا إجرائيا وجوهريا بالدستور والغايات التي كفلها.
جاء ذلك ضمن مذكرة “الملاحظات الكتابية” لفريق الأصالة والمعاصرة والفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية والمجموعة النيابية للتقدم والاشتراكية بمجلس النواب، بشأن القوانين التنظيمية الأربعة المحالة إلى المحكمة الدستورية، المعدلة والمتممة للقوانين التنظيمية المتعلقة بمجلس النواب ومجلس المستشارين والأحزاب السياسية وانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية.
وأضافت الأحزاب المذكورة أن الدستور خَلا من بيان قاعدة مؤسسة أو متصلة بموضوع “النظام الانتخابي”، مشيرة إلى أنه “لم يحدد نمطا معينا للاقتراع يرجى اتباعه، أو قواعد “للعدالة الانتخابية” تؤخذ بعين الاعتبار من قبل المشرع، ولا حدا أدنى أو أقصى، ولا ترخيصا أو منعا للأخذ بنظام العتبة، مع ما يفيده ذلك من أن هذا الموضوع يندرج في اختيارات تشريعية، من الممكن مغايرتها، وتعديلها ومراجعتها”.
وفي هذا الصدد، أوضحت المذكرة أن حق التعديل المخول لأعضاء مجلس النواب لا تحكمه فقط محددات تقنية إجرائية، بل أيضا الرغبة في “التشريع نحو الأفضل”، مشيرة إلى أن الأصل هول عبر التزام أكبر بالمبادئ الدستورية، وتفعيل تدريجي لغاياته، ورأب للفجوة بين الواقع وأحكامه، وصولا إلى أهدافه؛ وهو ما يجعل المشرع، بمناسبة موضوعية، يُعيد تقدير وتقييم بنائه القانوني، ويجوده لاقتراب أكبر من النص الدستوري.
وأكدت أحزاب المعارضة في مجلس النواب، في مذكرة “الملاحظات الكتابية”، أن القضاء الدستوري المغربي لم يتعرض، لا في زمن الغرفة الدستورية ولا في فترة المجلس الدستوري، لمناقشة المحددات المتعلقة بالنظام الانتخابي، مبرزة أنه تم تغيير نمط الاقتراع من الأحادي الاسمي إلى اللائحي، وتغيرت النسبة المحددة للعتبة، ولم يصدر في الموضوع موقف قضائي؛ ففي تعليق للمجلس الدستوري على التغيير المحدث سنة 2002 باعتماد “الاقتراع اللائحي”، و”نمط التمثيل النسبي”، وعتبة محددة في 3 في المائة، ابتعد المجلس الدستوري عن مناقشة هذه التعديلات.
وفي هذا الإطار، أوضحت فرق المعارضة أن اختيار احتساب “القاسم الانتخابي” على أساس “عدد المقيدين” في اللوائح الانتخابية ينطلق من توسيع دائرة المشاركة السياسية، وتحسيس الناخبين المقيدين في اللوائح الانتخابية بأهمية مشاركتهم وتحميلهم جزءًا من مسؤولية البناء الديمقراطي، معلنة أن هدفه المحافظة على نظام حزبي “تعددي”؛ فتطبيق النظام الانتخابي المنسوخ قد أدى عمليا إلى إبعاد حساسيات سياسية من التمثيل النيابي، وأضعف البعض منها، وجعل الكثير من أصواتها، بحكم قاعدتي العتبة واحتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد الأصوات التي حصلت عليها اللوائح التي نالت 3 في المائة على الأقل من الأصوات المعبر عنها لا يتم التعبير عنها، في ضرب لمبدإ “العدالة الانتخابية”.
“إن احتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد المقيدين في اللوائح الانتخابية لا يُحرف “إرادة الناخبين”، ولا يغير من اختياراتهم التي تم إبداؤها”، تقول المذكرة التي أشارت إلى أن القاسم “لا ينقل أصوات هذا الحزب إلى آخر، بل يرمي إلى جعل الاقتراع قريبا من عدالة التمثيل، بأن تكون الأحزاب مُمثلة بما حصلت عليه من إرادة الناخبين، المحتسبة، تأسيسا، على قاعدة عدد الناخبين المقيدين”، مضيفة: “أن هذه الطريقة في احتساب وَعَد “إرادة الناخبين” هي قاعدة عامة، موضوعة سلفا، تسري على الجميع، ولا تقيم تمييزا بين الأحزاب”.
وشددت أحزاب المعارضة على أن “الاختيار الديمقراطي” ثابت دستوري، بمعنى أنه مشمول “بالحظر الموضوعي”؛ وهو موجه أساسا إلى تقييد السلطة التأسيسية الفرعية خلال عملية مراجعة الدستور، مبرزة أن الاختيار الديمقراطي ليس موجها، كفلسفة وكروح، إلى المشرع العادي، إلا إذا كان مجسدا في قاعدة صريحة، تضع قيدا ساميا على اختياراته وتفضيلاته.