عقّبت الأديبة الفلسطينيّة رجاء بكريّة، روائيّة وتشكيليّة فلسطينيّة، على ما ورد في تقارير إعلامية مؤخرا بشأن تسمية “عَرب إسرائيل”، وقالت إن “هذا المصطلح الذي يجري تداوله في وسائل الإعلام العربيّة بين الفينة والأخرى هو أمر غير دقيق ويحرف الحقائق التاريخية التي منها خرجنا”، مشيرة إلى أن تداول ذلك خلال الحديث عن مواضيع تتعلّق بالشّأن الإسرائيلي “يُسقط الهوية الفلسطينية مباشرة، الهويّة الّتي تأسّست على بقاياها دولة إسرائيل منذ إعلان استقلالها في 14 أيّار 1948”.

وأوضحت الكاتبة الفلسطينية أن تداول الصحافة العربية لتسمية “عرب إسرائيل” عوضا عن “فلسطينيّي الداخل” فيه “تدمير لهويتنا وضميرنا الإنساني حتى ونحن نعيش هنا بين اليهود في مدينة حيفا، وسواها من المدن الفلسطينيّة”، مضيفة: “القول بأننا عرب إسرائيل يعني أننا حالة مارقة، هامشيّة لا معالم واضحة لها، وهذا غير صحيح بتاتا. نحن شعب لا يزال وبعد قيام الدّولة يحافظ على مرجعيّاتهِ القوميّة تماما كما يحافظ يهود أوروبا، الإشكناز، واليهود من أصول عربيّة السفراديم على أصولهم. ولا أوافق أيّ سياسي فلسطيني أو أجنبي يفكّر بإسقاط هذه التّسمية عنّا في الدّاخل والخارج. نحن شعب السّنديانة، ولنا عراقة تاريخ لا يَمّحِي ولا وفق قوانين التّقادم”.

و”فلسطينيو الداخل” للتّدقيق، وفق المتحدثة، هم “عرب 48 الذين وجدوا أنفسهم داخل حدود إسرائيل بعد إنشاء الدولة العبرية| اليهوديّة. وصار هؤلاء الفلسطينيون إلى أقليّة داخل إسرائيل وحصلوا على “الهوية الإسرائيلية” وجواز السفر الإسرائيلي ضمن الحقوق المدنيّة الّتي منحتها الدّولة الّتي دخل جيشها فلسطين واحتلّها، وهذا موثّق في المراجع التّاريخيّة العالميّة. هم أيضا حصّلوا تمثيلا في البرلمان الإسرائيلي، (الكنيست) كتحصيل حاصل لنضالهم العنيد وإصرارهم على حقّهم التّاريخي كأقليّة، بعد أن قررت تل أبيب طرد كل مَن لا يحمل تلك الهوية خارج حدودها. كلّ من بقي في فلسطين التّاريخيّة تمثّله أوّلا المرجعيّة الأولى الفلسطينيّة كجزء من التّكوين القومي والفكري والإنساني له، هذا التّكوين الذي يجب أن تحرص عليه الدّولة على المستوى الإنسانيّ أوّلا”. وتضيف: “الغصن الّذي تقطعهُ عن أمّهِ سيظلّ يتذكّر أصوله مهما تقلّبَ عليهِ الدّهر تماما كما ستحتفظ الشّجرة بذاكرة اليد الّتي كانت لها، هذا ما نصدّقُهُ ونتبنّاهُ في روايتنا”.

وتحاول الروائية رجاء بكرية من خلال كتاباتها، وروايتها الأخيرة “عَين خَفشة” خصوصا، التّأكيد على هوية “فلسطينيي الداخل” ضمن مجريات النّكبة الأولى، وتقول: “من المهم جداً التأكيد على أن عرب إسرائيل تشمل الطوائف الأربع في إسرائيل، وأننا حين نُخصَّص في مرجعيّاتنا التّاريخية نُسمّى “فلسطينيي الـ 48″، والصّفة القومية تعني أن وجودنا يعود إلى ما قبل 1948، ويستمرّ. بداية همّشونا في العالم العربي واعتبرونا يهودا وعملاء حتّى اتّضحت صورتنا من خلال أدبيّاتنا ومواقفنا. وبعد أن حدث نطالب العالم العربي بأن يحفظ ماء كرامتنا حين يُعرّفنا، كي تتذكّر الأجيال العظيمة العالية الّتي رأيتها تهتف باسم فلسطين في مدرّج محمّد الخامس أنّنا جزء من التّطريزة الفلسطينيّة الخالدة، ولو عشنا كأقليّة في نسيج الدّولة واستصدروا بحقّنا قانون القوميّة العنصري الّذي يدرجنا في أسفل قائمة المواطنة نحن شعب حيّ يحترم واجباته المدنيّة ويتشبّث بأصولهِ وأصالتهِ. وبالمناسبة، الحكومة الحاليّة الّتي أصرّت على استصدار هذا القانون بحقّنا هي هي الّتي تهرَوِل الآن خلف أصواتنا هي ورئيس حكومتها الّذي ضرب كرامتنا في أكثر من مناسبة”.

وأبرزت المتحدثة، في دردشة مع هسبريس: “أثار دهشتي وغضبي معا التّعريف الجديد الّذي يُطلق علينا نحن، “فلسطينيي الدّاخل” منذ تجديد العلاقات بين الرّباط وتل أبيب. كيف يمكن أن تتنازلوا عن لقبنا التّاريخيّ بهذه السّهولة؟ لسنا عرب إسرائيل، كما ورد، ولكن فلسطينيّي الدّاخل الفلسطيني. أسجّلها وبإصرار هكذا نسمّي أنفسنا في كلّ مكان”.

وأضافت الروائية ذاتها أنهم كأقلية في البرلمان الإسرائيلي يعولون على دعم الصحافة العربية للحفاظ على الهوية الفلسطينية وموروثها الثقافي، علماً أن حوالي مليون ونصف المليون من الفلسطينيين العرب، مسلمون ومسيحيون ودروز، يعيشون في الدّولة العبريّة.

وتعيش الروائية الفلسطينية في مدينة حيفا وتحمل جواز سفر إسرائيليّا وفلسطينيّا من أجل التنقل بحرية إلى دول العالم. وأضافت إن “دولة إسرائيل تحصيل حاصل للواقع ولا يمكن شطبَهُ كما يفعل البعض أو إنكارهُ، لأنّهُ يلعب في ملعب التّآمر على شرعيّة وجودهِ أوّلا وأخيرا”، ودعت إلى التعامل مع هذا الصراع بواقعية الحفاظ على الحضور الفلسطيني واليهودي وعلى أساس وجود حق متساو للشّعبين في ذات المكان.

وأشادت الأديبة بَكرِيَّة بموقف المملكة المغربية الداعم للقضية الفلسطينية، مشيرة إلى ضرورة يقظة العرب وحرصهم “..يجب على العرب أن يكونوا حذرين بشأن استئناف علاقاتهم مع تل أبيب، ويراجعوا الحرف الأوّل حتّى الحرف الأخير، وهذا ما أسررت بهِ لأحد الأصدقاء المغاربة”. وأضافت أنها تُعوّل على دعم الملك محمد السادس كرئيس للجنة القدس “للأقصى الشّريف كمرجع دينيّ للأقليّة المسلمة، والحرص على عدم مساسِهِ ضمن مشروع الحفريّات الّذي تُنفّذ تحت الصّخرة المباركة”. كما حيّت الشعب المغربي ومواقفه العظيمة في نصرة القضية الفلسطينية، ودعم مِحَنِها.

وأوردت الأديبة الفلسطينية: “أتمنى تمنّيات قلبيّة خالصة أن تُسبِغَ هذه العلاقة الجديدة بين المغرب وإسرائيل كرامات تصبّ في صالح الحقّ الفلسطيني المبعثر. نحن لا نثق بالحكومة الحاليّة الإسرائيليّة من تجربتنا المرّة معها؛ ولكنّ هذا لا يمنع المستوى السّياسي في المغرب من خوض التّجربة ضمن شروط واضحة”.

وزادت أنه “يُمكن بالفعل استثمار علاقات المغرب المميزة مع اليهود والفلسطينيين من أجل إنهاء هذا الصراع؛ لكن ثقتنا في نجاح هذه المهمّة تصبو إلى الصّفر لكثرة ما عجنوا في المفاوضات وعلى امتداد الجولات، منذ أوسلو وحتّى الآن”.

وختمت: “تحيّاتي للمغرب الحبيب بمكوّناتهِ الجميلة، وشكري العالي لإدارة جريدتكم النّبيهة الّتي فتحت هذه المنصّة الحواريّة أمامي كي أوضّح موقفي كروائيّة وضمير”.

hespress.com