مازالت أزمة تشكيل الحكومة في لبنان تراوح مكانها، بعد مرور أزيد من سبعة أشهر من تكليف سعد الحريري من قبل الرئيس ميشال عون، بعد استقالة حكومة حسان دياب على خلفية انفجار مرفأ بيروت في 4 غشت الماضي.
وفشلت حتى الآن كل الضغوط الدولية، لاسيما تلك الصادرة عن الدولة الفرنسية، في تبديد الخلافات السياسية الحادة ودفع الأطراف إلى التوافق على صيغة حكومية.
آخر فصول هذه الأزمة تحميل رئيس البلاد، ميشال عون، رئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري، مسؤولية التأخير في تشكيل الحكومة ، قائلا: “أصبح من الثابت أن رئيس الوزراء المكلف مازال يتجاهل كل مهلة معقولة لتشكيل حكومة قادرة على الإنقاذ والتواصل المجدي مع مؤسسات المال الأجنبية والصناديق الدولية والدول المانحة”.
وتابع عون في رسالة موجهة إلى مجلس النواب: “لا يجوز أن تبقى أسباب التأخير موضع تكهن أو اجتهاد، ولا أن يبقى تشكيل الحكومة إلى أفق غير محدد”، وزاد: “على رئيس الحكومة المكلف السهر على عدم نشوء أعراف دستورية خاطئة عند التشكيل”.
واتهم سعد الحريري من جهته رئيس البلاد بتعطيل أي أمل للبنانيين في وقف الانهيار المريع في البلاد، وقال ردا على ما ورد في الرسالة الرئاسية: “لن أشكل الحكومة إلا بما يحقق وقف الانهيار ومنع الارتطام الكبير الذي يتهدد الشعب”.
وانتهت جلسة مجلس النواب، التي انعقدت أمس السبت وخصصت لمناقشة رسالة ميشال عون المتعلقة بالتأخر في تشكيل الحكومة، بإعلان رئيس البرلمان، نبيه بري، التأكيد على ضرورة المضي قدما للوصول سريعا إلى تشكيل حكومة جديدة بالاتفاق بين الحريري وعون.
وليست هذه المرة الأولى التي يطفو فيها الخلاف بين الحريري وعون إلى السطح، بل ظلا يتبادلان الاتهامات بتعطيل تأليف حكومة يصر الحريري على أن تكون من التكنوقراط، بينما يريدها “التيار الوطني الحر” أن تكون ممثلة لميزان القوى السياسي، علما أن تيار عون لديه أكبر كتلة برلمانية في مجلس النواب.
ولا يحدد دستور الجمهورية اللبنانية مهلة لتأليف الحكومة التي جرت العادة أن تكون ثمرة توافق سياسي ومحاصصة بين أبرز القوى السياسية.
وتحول الأزمة السياسية الممتدة دون حصول لبنان على الدعم المالي الضروري لإخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية الحادة، إذ يشترط المانحون وجود حكومة مسؤولة من أجل الوفاء بالالتزامات المالية إزاء البلاد.
وأكد صندوق النقد الدولي في أكثر من مناسبة أن لبنان لا يمكنه إخراج نفسه من أزمته الاقتصادية من دون حكومة جديدة لتغيير البلاد وإطلاق إصلاحات متعثرة منذ فترة طويلة.
ودعت المؤسسة المالية الدولية مسؤولي هذا البلد إلى القيام بإصلاحات تركز على القطاع المالي والتمويل العام والحوكمة ومحاربة الفساد والتقليص من الإنفاقات غير الضرورية التي ساهمت في زيادة الديون.
وبدأت أزمة لبنان قبل جائحة “كوفيد19” وتسارعت بعد انفجار مرفأ بيروت في غشت من العام الماضي. وأصبحت البلاد تتخبط في أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها منذ الحرب الأهلية.
وتخلف لبنان في مارس 2020، وللمرة الأولى في تاريخه، عن تسديد ديونه التي تبلغ قيمتها الإجمالية أكثر من ثلاثين مليار دولار؛ ومع متم العام الفارط قال صندوق النقد الدولي إن الاقتصاد اللبناني انكمش بنسبة 35 بالمائة.
والشهر الفارط أعلنت فرنسا أنها فرضت قيودا على دخول شخصيات لبنانية تعتبر مسؤولة عن عرقلة الحياة السياسية اللبنانية، أو ضالعة في الفساد.
يأتي ذلك بعد تهديدات لوحت بها باريس التي تلعب دورا كبيرا في محاولة إيجاد تسوية للأزمة السياسية في لبنان، سعيا منها لدفع الطبقة السياسية إلى إخراج البلد من المأزق الحالي.