تعيش مدينة أصيلة، المعروفة بكونها وجْهة سياحية بامتياز خلال مثل هذه الفترة من السنة، صيْفا مختلفا تماما عن السنوات المنصرمة، عنوانه الكبير الأزمة والركود، بسبب تداعيات جائحة كورونا التي لم تتخلّص المدينة المتوسطية الهادئة من تبعاتها الأولى، إذ لا تزال مصنّفة ضمن “المنطقة 2”.

الأزمة الخانقة، التي تُرخي بظلالها على مدينة أصيلة المرتبطِ نشاطها الاقتصادي بالسياحة، يعكسها بجلاء مشهد المطاعم والمقاهي الفارغة تماما. على عتبة باب مطعم متخصص في وجبات الأسماك، يقف نادل شاب وهو يحرّك أصابع يديه المغمورتين في جيبيْ سترته، مترقبا زبونا أصبح كالعملة النادرة، والساعة تقترب من الثانية ظهرا.

في مثل هذا الوقت من شهر يوليوز خلال السنوات الفارطة لم تكن رؤية مشهد مثل هذا في مدينة أصيلة ممكنة، حيثُ كانت تغص المطاعم المطلّة على الكورنيش عن آخرها بالزبناء. أما هذه السنة، فالمدينة خاوية على عروشها، والنّدّل يزجون وقتهم باللهو بهواتفهم أو الدردشة جالسين على الكراسي التي استوطنها الفراغ.

“الدُّنيا واقفة مرة”، يقول نادل في مقهى بالقرب من السوق المركزي وسط مدينة أصيلة، قبل أن يعود إلى استئناف حديثه مع صديق له كان محورُه الانتخابات، ونادرا ما يقوم من مكانه لخدمة زبون ما في ظل ندرة الزبناء، إذ لا تزال مدينة أصيلة مصنفة في “المنطقة 2″، بسبب تزايد عدد الإصابات بفيروس كورونا في جارتها طنجة؛ ما جعلها فارغة كأنها مدينة أشباح.

وفيما تَمضي أيام الصيف مسرعة يعُدّ العاملون في القطاعات المرتبطة بالسياحة كالفنادق وأسواق المنتجات التقليدية وحتى المقاهي خسائرهم التي يقولون إنها ستكون “كارثية” هذه السنة، لكونهم يعوّلون على مداخيل فصل الصيف لتعويض الركود الذي يَسم باقي شهور السنة خاصة في فصلي الخريف والشتاء.

على امتداد كورنيش مدينة أصيلة، تبدو الأزمة المخيّمة على المدينة واضحة؛ ففي النهار يندُر أن ترى حركة على طول الكورنيش، بينما كان في السابق يعج بآلاف المصطافين. أما الشاطئ الذي أغلقت الممرات المؤدية إليه بمتاريس إسمنتية فقد أصبح فضاء للكلاب الضالة والنوارس.

داخل أزقة المدينة القديمة التي كانت بدورها تستقبل آلاف الزوار يوميا، يسود صمت وركود يزكّيه استمرار إغلاق أغلب محلات بيع المنتجات التقليدية أبوابها، بينما يقضي أصحاب المحلات القليلة المفتوحة وقتهم جالسين أمام محلاتهم، وسط انعدام الزبناء.

يقول صاحب محل لبيع الأزياء التقليدية في قلب المدينة القديمة: “الحركة ميتة”، ويشرح أن حتى الإقبال على شراء الملابس التقليدية مثل الجلاليب منعدم، رغم اقتراب عيد الأضحى، الذي ينتظره بفارغ الصبر، ليس أملا في رواجٍ تجاري، بل ليحمل عتاده ويتحوّل من تاجر إلى جزار يذبح أضاحي العيد لتوفير مبلغ مالي يعينه على توفير لقمة العيش لأسرته، بعدما أغلقت جائحة كورونا مصدر رزقه الأصلي.

hespress.com