من بلد الحرية، الولايات المتحدة الأمريكية، وليس من بلد متخلف، تناقلت وسائل الإعلام الدولية صورا غير متوقعة لاحتلال مبنى الكونغرس الأمريكي من طرف المئات من أنصار الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب.
في الفيديوهات التي انتشرت قبل قليل، ظهر رجال شرطة الكونغرس وهم يهربون من حشود بشرية هائجة اقتحمت البناية، محاولة احتلالها، بعد تفاعلها مع ما اعتبره ترامب نتائج مزورة للانتخابات.
في اليوم نفسه الذي كان مخصصا للمصادقة على النتائج، تطورت الأمور إلى احتلال أشهر بناية ديمقراطية في العالم، ولعلها المرة الأولى التي يتم فيها المس بهيبة هذه المؤسسة الدستورية.
المجموعة التي هاجمت الكونغرس كان عددها قليلا، لكن تصوير العشرات وهم بصدد الشروع في تخريب مؤسسة دستورية أمريكية، دفع الرئيس المنتخب جو بايدن، والرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، إلى الظهور على شاشات التلفزيون للتخفيف من حدة انتقال الحرس الوطني لتأمين البناية، خاصة بعد ترويج صور لسيدة أصيبت خلال الهجوم على الكونغرس.
ولأن أمريكا ليست مثل باقي البلدان، فقد خرج الرئيس جو بايدن ليطالب سلفه بضرورة الظهور على التلفزيون لدعوة أنصاره إلى الرجوع إلى بيوتهم، وهو ما حصل فعلا، لكن كلمة ترامب، رغم أنه لم يكن لها أي تأثير على الميدان، حيث تم تحرير الكونغرس باستخدام القوة، وضعت في سياق “التحريض على العنف”؛ إذ تم حضر نشرها على صفحته على “تويتر”، بعدما أعاد التأكيد على أن نتائج الانتخابات كانت مزورة، بل إنه لم يعترف بنجاح خصمه السياسي، حيث خاطب الجماهير الغاضبة قائلا: “الانتخابات سرقت منا، لكن عليكم أن تعودوا إلى بيوتكم، علينا أن نحقق السلام ونحترم القانون. لقد كانت انتخابات مغشوشة، وتم التعامل معنا بطريقة مخزية، لكن عودوا إلى بيوتكم في أمن وأمان”.
هكذا تحدث ترامب في يوم مقدس للديمقراطية، كما يسميه الأمريكيون، لكن المؤكد أن اللجوء إلى الحرس الوطني لإنفاذ القانون وتحرير الكونغرس، يفتح المجال للحديث عن أزمة الديمقراطية في عاصمة الديمقراطية. فإذا حدث مثل هذا الأمر في بلد مثل أمريكا، ماذا يمكن أن ننتظر من بلدان سائرة في طريق النمو أو بلدان خارج خريطة النمو؟
من ممارسة الديمقراطية، إلى مظاهرات عنيفة، ثم حظر التجوال مساء اليوم نفسه في أمريكا، يمكن القول إن تعرض الديمقراطية لعطب غير متوقع ليس أمرا مستبعدا حتى في البلد الذي يضرب به المثل في الديمقراطية والاصطفافات الحزبية الواضحة.