قال الموساوي العجلاوي، أستاذ باحث في مركز إفريقيا والشرق الأوسط للدراسات، إن وجود إبراهيم غالي في إسبانيا باسم محمد بنبطوش، جزائري الجنسية، هو أمر لا يمكن أن يتم دون مفاوضات بين النظام الجزائري وإسبانيا التي تملك “أسرارا تاريخية” حول التعدد الإقليمي للنزاع.

وينبش العجلاوي، في مقال رأي توصلت به جريدة هسبريس الإلكترونية، تحت عنوان: “نزاع الصحراء بين إسبانيا والجزائر”، في العلاقات المعقدة بين إسبانيا والمخابرات الجزائرية وتساءل: هل نوع العلاقات بين جنرالات الجزائر والأجهزة الأمنية العسكرية الإسبانية وصلت إلى مستوى “المحبة الفائقة” بين الجانبين؟

ويتحدث العجلاوي في مقاله عن حيثيات تاريخية جرت صيف 1975 عندما بدأ الإعداد لمخطط إسباني جزائري لإعلان استقلال الصحراء بواجهة “البوليساريو” مع اقتسام المنافع العسكرية والاقتصادية بين إسبانيا والجزائر.

وهذا نص المقال:

“الرئيس” المزور والرجل الوهمي

طرح وجود زعيم “البوليساريو” في إسبانيا جدلا رسميا بين المغرب وإسبانيا، ونقاشا في وسائل التواصل الاجتماعي حول الأولويات في هذه القضية، بين الدعاوى القضائية الأخلاقية ضد إبراهيم غالي والعمق السياسي لاختيار إسبانيا لهذا الأم، والاحتماء “بالأسباب الإنسانية”، على الرغم من أن هذه الأسباب لم تظهر إلا بعد أن افتضح الأمر إعلاميا. ووجود إبراهيم غالي في إسبانيا باسم محمد بنبطوش، جزائري الجنسية، هو أمر لا يمكن أن يتم دون مفاوضات بين النظام الجزائري وإسبانيا، التي تملك “أسرارا تاريخية” حول التعدد الإقليمي للنزاع. الواجهة الجديدة للنظام الجزائري وقيادة “البوليساريو” وكل من ينتصر لهم سيتعطرون شياطا وعطنا، بعد الانكشاف العلني لقصة إبراهيم غالي، “الرئيس” الذي أدخل إسبانيا باسم مزور؛ بيد أن السؤال اللغز هو من أفشى سر “الرجل المزور”؟

وإذا كانت وزارة الخارجية الإسبانية ألحت على البعد الإنساني الصرف لاستقبال إبراهيم غالي، وعلى العلاقات الطيبة القائمة بين المغرب وإسبانيا؛ فلأنها تدرك أن إدخال أرقام جديدة إلى النزاع الإقليمي يغير من مرجعية الحل، الذي يؤكد المغرب على حصرية الأمم المتحدة في إيجاد حل له، وأن الأرقام الجديدة تخدم أجندات الواجهة الجديدة للنظام الجزائري التي تتحرك منذ دجنبر 2020، في القمة الاستثنائية للاتحاد الإفريقي، وفي الاجتماع الأخير لمجلس السلم والأمن في عهدة رئاسة الجزائري إسماعيل الشرقي، وتعمل على تغيير مرجعية نزاع الصحراء التي توضحت معالمها جيدا منذ 2018.

يحمل الموقف الرسمي المغربي في هذه القضية بعدين أساسين؛ أولهما حقوقي قضائي، إذ على المنظمات الدولية والإسبانية المعنية بحقوق الإنسان أن تتحرك ولو شكلا، وفي الأمر إحراج لهذه المنظمات، خاصة الإسبانية، التي تعطي دروسا نهارا وليلا في ضرورة احترام حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية. وثاني البعدين سياسي إستراتيجي متعلق بالموقف الإسباني من نزاع الصحراء، والدفع به نحو الانتصار للحل السياسي. لن يقبل المغرب أبدا عودة إسبانيا إلى نزاع الصحراء من باب الأسباب الإنسانية والعلاقة مع الواجهة الجديدة للنظام الجزائري.

إسبانيا والجزائر وباخرة الكوكايين

إسبانيا أصبحت فاعلا في الشأن الداخلي الجزائري منذ صيف 2018؛ فمصالحها الاستخباراتية كشفت لقيادة الجيش الجزائري حمولة باخرة تنقل 701 كيلوغرام من الكوكايين، قبيل وصولها ميناء وهران، وتورط فيها كمال الشيخي (البوشي)، ونخبة من قادة الأجهزة الأمنية وأبناء شخصيات سياسية من بينهم ابن الرئيس الجزائري الحالي، وقائد الأمن حينها الجنرال الهامل. وتوقيت إخبار قيادة الجيش منح الأفضلية للبحرية الجزائرية للتقصي في أمر الباخرة، مما أشعل حربا بين قايد صالح والهامل، انتهت بإقالة الجنرال الهامل، وكان هذا الخطيئة الأساس لـ”جماعة الرئيس”، التي كان الهامل أحد أعمدتها، فتركت الحرية للجنرال قايد صالح بالتصرف المطلق في الشأن الجزائري، والبقية نعرفها اعتقالات وإقالات؛ بيد أن الغريب في الأمور هو أن عددا من جنرالات الجزائر هربت إلى إسبانيا بعد صيف 2018، واستقرت هناك. وهذه فرصة ذهبية للمخابرات الإسبانية للتزود بكل ما يحمله هؤلاء الجنرالات من “أسرار” الدولة الجزائرية، مقابل حماية ما.

هل شكلت هذه الملفات الأمنية بابا دخول إسبانيا إلى قبو السلطة الجزائرية العميقة؟ هل هناك رغبة لإسبانيا في لعب دور في شمال إفريقيا، أمام تراجع النفوذ الفرنسي في المنطقة؟ هل نوع العلاقات بين جنرالات الجزائر والأجهزة الأمنية العسكرية الإسبانية وصلت إلى مستوى “المحبة الفائقة” بين الجانبين؟ هل إسراع وزارة الخارجية الإسبانية إلى إصدار بلاغ حول الموضوع سيناريو كان قائما في حال اكتشاف أمر “الرئيس المزور”؟

المعاهدة السرية بين إسبانيا والجزائر 1975

من مكر التاريخ أن تقاربا وقع بين نظام بومدين وحكومة فرانكو، في صيف 1975، حيث هدفت إسبانيا فرانكو، حينها، إلى تحقيق مشروعها الرامي إلى خلق كيان جديد بالتحالف مع النظام الجزائري، الذي كان يرمي إلى تحقيق الهدف نفسه، كما يكشف عن ذلك تقرير بعثة الأمم المتحدة التي زارت المنطقة في شهري ماي/يونيو 1975، والذي يبرز التحول الواقع في الموقف الإسباني بين زيارة البعثة لمدريد في 8 و20 ماي 1975.

نقل تقرير البعثة أن إسبانيا لا تريد أن تضع نفسها موضع القاضي، ونبه رئيس الوزراء إلى رغبته في أن: “تعلم البلدان والأطراف ذات الصلة بالقضية أن إسبانيا مستعدة لإعادة الإقليم فورا إلى سلطة يتفق عليها الجميع بطريقة عادلة ومنصفة…”. وأن هناك خطر ضم الإقليم ضد إرادته، ويفتح المسؤول الإسباني هنا الباب نحو مصالحة مع الحركات التي تنادي باستقلال الصحراء، خاصة جبهة “البوليساريو” وحزب الاتحاد الوطني الصحراوي.

الفكرة المركزية في الطرح الإسباني تدور حول طمع الجيران، وأنها تفضل استقلال المنطقة. موازاة مع ذلك، تغطي الفقرات الممتدة من الفقرة 40 إلى 60 داخل تقرير البعثة موقف الدولة الجزائرية من مسألة إنهاء الاستعمار في الصحراء، وما يلي ذلك من خطوات. وفي الفقرة 46 من التقرير، يكشف الرئيس الجزائري عن نوايا حكومته في تطبيق تقرير المصير المؤدي إلى استقلال الصحراء تحت غطاء مبدإ حق تقرير المصير، ويبدو واضحا من فقرات هذا التقرير التقارب الحاصل بين نظام بومدين وحكومة فرانكو. في الفقرة 48، يصرح بومدين بما يلي: “صحيح أن الجزائر تقوم بمساعدة الجبهة الشعبية مثلما هي مستعدة لمساعدة جميع حركات التحرير دون استثناء، بما في ذلك حزب الاتحاد الوطني الصحراوي وجبهة التحرير والوحدة..”. وكل ما ورد على لسان الرئيس الجزائري يؤكد أن الاستقلال هو الحل الوحيد لنزاع الصحراء.

في صيف 1975، بدأ الإعداد لمخطط إسباني جزائري لإعلان استقلال الصحراء بواجهة “البوليساريو” مع اقتسام المنافع العسكرية والاقتصادية بين إسبانيا والجزائر. في 14 أكتوبر 1975، نشرت جريدة المحرر “وثيقة”، هي رسالة من صحراويين داخل جبهة “البوليساريو” (جماعة لكويرة)، إلى الأمين العام للأمم المتحدة. وتكشف الرسالة مضمون المعاهدة الموقعة بين الجزائر وإسبانيا.

إسبانيا تعي كل هذا، ومصالحها الآنية والإستراتيجية تدفعها إلى التعامل بحذر مع المغرب في نزاع الصحراء، علما أن تحولا كبيرا وقع في الموقف الإسباني في العام 2013، بعد اختطاف رعاياها، وبروز قيادة جهادية من مخيمات تندوف على رأس حركة التوحيد والجهاد؛ منهم أبو الوليد الصحراوي، الذي كان عضو قيادة شبيبة “البوليساريو” تحت اسم سيدي لحبيب الإدريسي ولد سيدي عبدي ولد سيدي سعيد ولد سيدي البشير ولد المحجوب، والذي يرأس حاليا تنظيم “الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى”.

ما جرى مؤخرا بين إسبانيا والجزائر هي رسائل خاطئة حول مرجعية النزاع كما رسمها مجلس الأمن، وهذا هو العمق السياسي الإستراتيجي للاحتجاج “المهذب” من لدن المغرب.

hespress.com